كتاب النفخ في الصور
كتاب النفخ في الصور وموعد اصتدام النجوم وكل الاكوان
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب دمار الكون وانتهائه
الدكتور البادي
ملحوظة : اعتمدت كتاب البداية والنهاية إسماعيل بن عمر
بن كثير القرشي الدمشقي- مصدرا أساسيا في كثير من مواضيع الكتاب ، وهو طبعة دار
عالم الكتب سنة النشر: 1424هـ / 2003م
عدد الأجزاء: عشرون جزءا
هلاك النجوم أو النجوم ويوم القيامة :
1-النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ
صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا
وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ
بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ
أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ
الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) ( سورة النجم )
8- (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا
النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ
نُسِفَتْ (10) المرسلات)
2- إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا
الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) التكوير )
فالنجوم ستمر بمرحلتين:
الاو لى:االإنكدار
الثانية :الطمس المحقق وذهاب ضوئها
أما الإنكدار أي التناثر والتساقط فيرجع إلى اصطدام
النجوم ببعضها وتفتتها ثم تناثرها ، وذلك علي أثر تدافع الموجات الصوتية التضاغطية
الهادرة من نفير الملك اسرافيل ، عند نفخة الصعق ،
وأما مرحلة الطمس أي المحق وذهاب الضوء فهي لتفتت النجم
نتيجة إ صطدام النجوم ببعضها وتكسرها ثم تناثرها فى الفضاء الكوني ثم تساقطها حتى
تصير لا شيئ حينئذ يتحقق الطمس أ ي المحقق والزوال الكلي للنجم فإذاقدر للناظرأن
ينظر للنجم فى موقعه فلا يجده ولا يجد للنجوم الأخرى وجود ، فهذا هو الطمس وهو محقق
لزوال الضوء بالتبعية
ويرجع ذلك إلى انعدام قوانين التماسك الكوني وذلك لأن
الخالق سبحانه أراد لهذه الكائنات الزوال – فبدأ الخلل بانعكاس مشرق الشمس إلى
المغرب ثم تتابع الخلل الكوني حتى يصل غلى الدمار التصادمي الرهيب بين كل نجوم
وكواكب وشموس المجموعة الشمسية للارض
ملخص دمار الأرض :
الإحتمال الأول.. ينفخ فى الصور ( بواسطة الملك اسرافيل
) ويستمر النفخ بلا انقطاع فتتدافع الموجات الصوتية التضاغطية الهادرة بقوة تطغى
على كل قوى وقوانين التماسك الكونى رغم دقتها فيبدأ الكون فى الإنهيارعلى النحو
الذى فصلناه قبل قليل ويصعق من فى السماوات ومن فى الارض ثم يليه مباشرة دمار
الكون فى مجموعة الأرض والشمس وسائر المجرات وكذلك فى مادة السموات وما تحتوى
...قال تعالى " فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة
واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية " فتنفجر الشمس وتبتلع القمر أ
وتجمع معه ، فيخبوا ضوؤها ويزول "تكور الشمس " ويحدث خلل مريع فى توازن
الأفلاك ،فتضطرب الأرض وترجرج وتزلزل حتى تقطم الجبال فتسير سيرا تاركة أوتادها
للارض فتدك الأرض وتنهار ويعقب ذلك تشقق الأرض وتفتت الجبال لتصبح مبثوثة أي كثيبا
مهيلا وترج الارض رجا ثم تدك الارض دكا إي تنهار ،ويخرج ما فى بطنها من نار وبركان
وحمم ومياه ونفط وخلافه وتفيض الأنهار بالمياه وما تخرجه الأرض حتى تمتد الأرض
وتستوى والجبال فى هذا تطير رمالها كالعهن المنفوش أي كوبر الصوف الذى يعد لكي
يغزل وهومتعددة الالوان لأن حجارةهذه الجبال متعددة الالوان لوجود العناصر
المعدنية المختلفة بها كالحديد والنحاس والذهب وغيرها وبينما تمر الأرض وما تحمل
فى هذه المراحل إذ تمورالسماء مورا وتضطرب بشدة ثم تصبح مسترخية واهية ضعيفة جدا
فتفرج فى كل مكان منها ويزداد الفرج إلى أن تصير شقوقا فى صفحتها الواهية
المسترخية ويزداد فتح الشقوق كلما ازداد اضطرابها ومورها حتى تفتح إلى أبواب
فكل فرج يصبر شقا وكل شق يتسع إلى فتح وكل فتح يصنع بابا .... كل هذا ومازالت السماء تضطرب
وتمور(أى تغلى كالزيت) ويزداد الأضطراب فتقشط السماء وتقلع كلها ثم تطوى كالكتاب
فى مجموعات مطويات تصير فى يمين الله- عز وجل – "والسماء مطويات بيمينه "
فإذا طويت السماوات كالكتاب وصارت فى يمين الله تعالى ظهرالملائكة على أرجائها أي
أطرافها ويحمل عرش الرحمن يومئذ ثمانية من اعظم ما تكون الملائكة إذلايعلم حقيقته
إلا الجبار سبحانه وتعالى " فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية
والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فو قهم يومئذ ثمانية " هذا والواضح فى مكون
مادة السماء أساسا أنها من الزيت وذلك باستقرآء أدلة هدمها .- إذ تمورالسماء مورا-
وانشقت السماء فهى يومئذ واهية- (وفتحت السماء فكانت أبوابا ) وإذا السماء فى هذا
الشأن من الإنهيار يكون للشمس والقمر والنجوم شأن مماثل حيث تنفجر الشمس ويكثر
فيها الدخان وتفقد جذوتها ويختل دورانها حول نفسها وحول أجرامها فتسقط قريبا من القمر
ليجتمعا فى مدار واحد أو تبتلعه الشمس وهي فى كل هذا تفقد ضوءها " أي تكور
" ويفقد القمر بالتالى ضوئه لانكدار الشمس – وفى هذا تضطرب سائر كواكب
المجموعة الشمسية ونجومها فتتناثر النجوم وتتبعثر وتنطفأ ويذهب ضوؤها فإذا تناثرت
وبعثرت وخبا ضوؤها أو زال تصير إلى انعدام وتطمس فلا ترى لأنها محقت وإذ بالشمس
تصبح لا شمس وإذ بالقمر يزول بقدر وإذ بالارض تزول وتدمر وتنسف الجبال نسفا وتطمس
النجوم وتقهر ولا يبقى من كل مجموعة الشمس وكل مجرات الكون وكل السموات السبع أى
قدر هنالك تبدل الأرض غير الأرض – والسموات – وينعدم كل ضوء إلا نور الله – فتشرق
أرض المحشرالمبدلة بنور لم يره الناس من قبل هو نور ربها " وأشرقت الارض بنور
ربها ووضع الكتاب .....الايات ويبدأ الحساب
اولا –المرحلة التمهيدية للحساب :
1-النفخ فى الصور
2-البعث والنشور
3- الانتظار
ثانيا- المرحلة الفعلية للحساب : وفيها تدل كل عبارة
شرعية على مرحلة حسابية مستقطع منها المسار العام للحساب وسنحاول بمشيئةالله تعالى
استعراضه وترتيبها
ثالثا- مرحلة الجزاء او العطاء
اولا – المرحلة الاولى التمهيدية :
حقيقة ماقبل النفخة للبعث ، يسكن الكون بعد الدمار
الهائل الذى اطاح بكل مخلوق جرمى وتنتهى انفاس المخلوقات جميعها من ملائكة وجن
وانس حتى ان ملك الموت نفسه يامر من قبل الله ان يقبض نفسه او يموت وذلك بعد ان
امر بقبض ارواح كل الخلائق، فلا يبقى فى خلق الله تعالى احد لم يقبض الا ماشاء
الله فيسكن الكون سكونا مهيباً فلا يصبح ولايمسى ولا يضحى فالكل تراب وعدم اومارج
ونار او مما توصف الملائكة وحين ذاك يطوى الله عز وجل السموات يوم القيامة ثم
ياخذهن بيده اليمنى ثم يقول :انا الملك اين الجبارون اين المتكبرون ثم يطوى
الارضين بشماله ثم يقول انا الملك اين الجبارون اين المتكبرون وفى رواية(اين ملوك
الارض) / وفى رواية اخرى عند مسلم ( ج8/ 127) عن عبدالله ابن عمر قال رايت رسول
الله (ص) على المنبر وهو يقول :ياخذ الجبار عز وجل سمواته واراضيه بيديه ثم ذكر
نحو حديث يعقوب : (فيقول انا الله ويقبض اصابعه ويبسطها انا الملك حتى نظرت الى
الممبر يتحرك من اسفل شئ يقول اساقط هو برسول الله (ص) / وروى أبو داود من طريق
سالم أخبرني عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوي الله
السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين
المتكبرون ثم يطوي الأرضين ثم يأخذهن قال ابن العلاء بيده الأخرى ثم يقول أنا
الملك أين الجبارون أين المتكبرون وكذا من طريق عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ قَالَ
سَالِمٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْوِي اللَّهُ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا
الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ثُمَّ يَطْوِي
الْأَرَضِينَ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ بِيَدِهِ الْأُخْرَى
ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ-
ويقبض الله يوم القيامة الأرضين وتكون السماوات بيمينه
) وجاء في حديث الصور : " فإذا لم يبق إلا الله
الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ، ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، كان
آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم
تلقفهما ثلاث مرات ، وقال : أنا الجبار . ثلاثا ، ثم ينادي : لمن الملك اليوم ؟
ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول تعالى مجيبا لنفسه : لله الواحد القهار ، وقد
قال تعالى : وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات
مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون [ الزمر : 67 ] . وقال تعالى : يوم نطوي
السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين . وقال
تعالى : لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم
لله الواحد القهار [ ص: 337 ] [ غافر : 15 ، 16 ] . وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي
هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقبض الله تعالى الأرض ،
ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الجبار ، أين ملوك الأرض؟ أين
الجبارون؟ أين المتكبرون " . وفيهما عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين ، وتكون السماوات بيمينه ، ثم
يقول : أنا الملك (
وفي " مسند أحمد " ، و " صحيح مسلم " ، من حديث عبيد الله بن مقسم ، عن ابن
عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : وما
قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه
سبحانه وتعالى عما يشركون [ الزمر : 67 ] . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
هكذا بيده ، ويحركها ، يقبل بها ويدبر "
يمجد الرب نفسه : أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الملك
، أنا العزيز ، أنا الكريم " فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر ،
حتى قلنا : ليخرن به . وهذا لفظ أحمد ، وقد ذكرنا الأحاديث المتعلقة ص: 338 بهذا
المقام عند تفسير هذه الآية من كتابنا " التفسير " بأسانيدها وألفاظها ،
بما فيه كفاية ، ولله الحمد .
قال في حديث الصور : " ويبدل الله الأرض غير الأرض
فيبسطها ، ويسطحها ، ويمدها مد الأديم العكاظي ، إلى آخر الكلام ، كما تقدم ، قال
تعالى : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات [ إبراهيم : 48 ] " الآية .
وفي " صحيح مسلم " عن عائشة قالت : سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسماوات؟ فقال : " هم في
الظلمة دون الجسر " .
وقد يكون المراد بذلك تبديلا آخر غير هذا المذكور في هذا
الحديث ، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين; نفخة الصعق ، ونفخة البعث ،
فتسير الجبال وتمد الأرض ، ويبقى الجميع صعيدا واحدا ، لا اعوجاج فيه ولا روابي
ولا أودية ، كما قال تعالى : ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعا
صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا [ طه : 105 - 107 ] . أي لا انخفاض فيها ولا
ارتفاع .
وقال تعالى : وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر
السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون [ النمل : 88 ] وقال تعالى : وسيرت الجبال
فكانت سرابا [ النبإ : 20 ] . وقال تعالى : وتكون الجبال كالعهن المنفوش [ القارعة
: 5 ] . وقال تعالى : [ ص: 339 وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [ الحاقة :
14. وقال تعالى : ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا
[ الكهف : 47 ] الآيات @ نفخة البعث قال تعالى : ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام
ينظرون [ الزمر : 68 ] . الآيات إلى آخر السورة ، وقال : يوم ينفخ في الصور فتأتون
أفواجا [ النبإ : 18 ] .
[ ص: 343 ] الآيات ، وقال تعالى : يوم يدعوكم فتستجيبون
بحمده [ الإسراء : 52 ] الآية . وقال تعالى : فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم
بالساهرة [ النازعات : 13 ، 14 ] . وقال تعالى : ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث
إلى ربهم ينسلون الآيات إلى قوله : وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون
[ يس : 51 - 65 ] .
وذكر في حديث الصور بعد نفخة الصعق وفناء الخلق ، وبقاء
الحي القيوم الذي لا يموت ، الذي كان قبل كل شيء ، وهو الآخر بعد كل شيء ، وأنه
يبدل السماوات والأرض بين النفختين ، ثم يأمر بإنزال الماء على الأرض ، الذي تخلق
منه الأجساد في قبورها ، وتتركب في أجداثها ، كما كانت في حياتها في هذه الدنيا ،
ثم يدعو الله بالأرواح ، فيؤتى بها تتوهج أرواح المؤمنين نورا ، والأخرى ظلمة ،
فتوضع في الصور ، ويأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح
كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فتدخل كل روح على جسدها التي كانت فيه
في هذه الدار ، فتمشي الأرواح في الأجساد مشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنهم
، كما تنشق عن نباتها فيخرجون منها سراعا إلى ربهم ينسلون مهطعين إلى الداع يقول
الكافرون هذا يوم عسر [ القمر : 8 / حفاة عراة غرلا .
وقد قال الله تعالى : يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم
إلى نصب يوفضون [ المعارج : 43 ] . إلى آخر السورة ، وقال تعالى : واستمع يوم يناد
المناد من مكان قريب [ ق : 41 ] . إلى آخر السورة ، وقال تعالى : خشعا أبصارهم يخرجون
من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر [ القمر
: 7 - 8 ] . وقال تعالى : فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين
غير يسير [ : المدثر : 8 - 10 ] . وقال تعالى : ومنها نخرجكم تارة أخرى [ طه : 55
] . وقال : والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا [ نوح : 17
، 18 ] إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على البعث والنشور .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، حدثنا عبد
الله بن عثمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء
، عن عبد الله بن مسعود ، قال : يرسل الله قبل يوم القيامة ريحا فيها صر باردة ،
وزمهريرا باردا; فلا تذر على الأرض مؤمنا إلا كفت بتلك الريح ، ثم تقوم الساعة على
الناس ، فيقوم ملك بين السماء والأرض بالصور ، فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق في السماء
والأرض إلا مات ، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون ، فيرسل الله ماء من
تحت العرش ، فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء ، كما تنبت الأرض من الثرى ، ثم
قرأ ابن مسعود : كذلك النشور [ فاطر : 9 ] . ثم يقوم ملك بين السماء والأرض بالصور
، فينفخ فيه ، فتنطلق كل نفس إلى جسدها ، فتدخل فيه ، ويقومون ، فيجيئون قياما لرب
العالمين .
[ ص: 345 ] وعن وهب بن منبه ، قال : يبلون في القبور ،
فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح في الأبدان ، والمفاصل بعضها إلى بعض ، فإذا سمعوا
النفخة الثانية وثب القوم قياما على أرجلهم ، ينفضون التراب عن رءوسهم ، يقول
المؤمنون : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك
حديث أبي رزين في البعث والنشور
أخبرنا شيخنا الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن
المزي - تغمده الله برحمته - وغير واحد من المشايخ ، قراءة عليهم ، وأنا أسمع ،
قالوا : أخبرنا فخر الدين علي بن عبد الواحد بن البخاري ، وغير واحد ، قالوا : أخبرنا حنبل بن
عبد الله المكبر ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين الشيباني ، أخبرنا أبو
علي الحسن بن علي؟ ابن المذهب التميمي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن
مالك القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله ، في "
مسند أبيه " ، قال : كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن
الزبير الزبيري : كتبت إليك بهذا الحديث ، وقد عرضته ، وسمعته على ما كتبت به إليك
، فحدث بذلك عني . قال : حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ، قال : حدثني عبد
الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف ، عن دلهم بن الأسود
بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي ، عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر
، قال دلهم : وحدثنيه أبي الأسود ، عن عاصم بن لقيط - أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له ، يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ،
قال لقيط : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول (صلي الله عليه وسلم ) : الله صلى
الله عليه وسلم لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيناه حين
انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا فقال : " أيها الناس ، ألا إني
قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ، ألا لأسمعنكم ، ألا فهل من امرئ بعثه قومه ،
فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ألا ثم لعله أن يلهيه
حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسئول : هل بلغت؟ ألا
اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا ، ألا اجلسوا " . قال : فجلس الناس ، وقمت أنا
وصاحبي ، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره ، قلت : يا رسول الله ، ما عندك من علم
الغيب؟ فضحك لعمر الله ، وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي لسقطه ، فقال : " ضن ربك ،
عز وجل ، بمفاتيح خمس من الغيب ، لا يعلمها إلا الله " . وأشار بيده ، قلت :
وما هن؟ قال : " علم المنية ، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم
المني حين يكون في الرحم ، قد علمه ولا تعلمون ، وعلم ما في غد وما أنت طاعم غدا
ولا تعلمه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مسنتين ، فيظل يضحك ، قد علم أن
غيركم إلى قريب " . قال لقيط : قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم
يوم الساعة " . قلت : يا رسول الله ، علمنا مما تعلم الناس ، وما تعلم ، فإنا
من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ،
وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ، ثم يتوفى نبيكم ، ثم
تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصائحة ، لعمر إلهك ما تدع على ظهرها من شيء إلا مات ،
والملائكة الذين مع ربك عز وجل ، فأصبح ربك عز وجل يطوف في الأرض ، وخلت عليه
البلاد ، فأرسل ربك عز وجل السماء تهضب من عند العرش فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها
من مصرع قتيل ، ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه ، حتى تخلفه من عند رأسه ، فيستوي
جالسا ، فيقول ربك : مهيم؟ لما كان فيه ، فيقول : يا رب ، أمس ، اليوم ، فلعهده
بالحياة يحسبه حديثا بأهله " . فقلت : يا رسول الله ، كيف يجمعنا بعدما تمزقنا
الرياح والبلى والسباع ؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ، الأرض أشرفت
عليها وهي مدرة بالية " ، فقلت : لا تحيا أبدا . " ثم أرسل ربك ، عز وجل
، عليها السماء ، فلم تلبث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها ، وهي شربة واحدة ،
ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء ، على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون
من الأصواء ، ومن مصارعكم ، فتنظرون إليه ، وينظر إليكم " .
قال : قلت : يا رسول الله ، وكيف ونحن ملء الأرض ، وهو
شخص واحد ينظر إلينا ، وننظر إليه؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله عز
وجل ، الشمس والقمر آية منه صغيرة ، ترونهما ويريانكم ساعة واحدة ، لا تضامون في
رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما " . قال : قلت : يا رسول الله ،
فما يفعل بنا ربنا ، عز وجل ، إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية له
صفحاتكم ، لا يخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء ، فينضح
قبيلكم بها ، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدكم منها قطرة ، فأما المؤمن فتدع وجهه مثل
الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود ، ألا ثم ينصرف نبيكم ،
وينصرف الصالحون على أثره ، فتسلكون جسرا من النار ، فيطأ أحدكم الجمر فيقول : حس
. فيقول ربك ، عز وجل : أو أنه . فتطلعون على حوض الرسول على أظمإ - والله - ناهلة
قط رأيتها ، فلعمر إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف ،
والبول ، والأذى ، وتحبس الشمس ، والقمر ، ولا ترون منهما واحدا " . قال : قلت
: يا رسول الله ، فبم نبصر ؟ قال : " بمثل بصرك ساعتك هذه ، وذلك مع طلوع
الشمس في يوم أشرقت فيه الأرض وواجهته الجبال " .
قال : قلت : يا رسول الله ، فبم نجزى من سيئاتنا
وحسناتنا ؟ قال : " الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها إلا أن يعفو " . قال :
قلت : يا رسول الله ، ما الجنة وما النار ؟ قال : " لعمر إلهك إن للنار لسبعة
أبواب ، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما ، وإن للجنة لثمانية
أبواب ، ما منهن بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما " . قال : قلت : يا رسول
الله ، فعلام نطلع من الجنة؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس
ما بها من صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة
لعمر إلهك ما تعلمون ، وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ،
ولنا فيها أزواج؟ أو منهن مصلحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين ، تلذونهن مثل
لذاتكم في الدنيا ويلذذن بكم غير أن لا توالد " . قال لقيط : فقلت : أقصى ما
نحن بالغون ومنتهون إليه; فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم ، قلت : يا رسول الله ،
علام أبايعك ؟ قال : فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، وقال : " على
إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشرك ، وأن لا تشرك بالله غيره " .
قال : قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ؟ فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده ،
وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه . قال : قلت : نحل منها حيث شئنا ، ولا يجني على
امرئ إلا نفسه ، فبسط يده وقال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ولا يجني عليك إلا
نفسك " . قال : فانصرفنا ، فقال : إن هذين - لعمر إلهك - من أتقى الناس في الأولى والآخرة
" . فقال له كعب بن الخدارية ، أحد بني بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟
قال : " بنو المنتفق أهل ذلك " . قال : فانصرفنا ، وأقبلت عليه ، فقلت : يا
رسول الله ، هل لأحد ممن مضى خير في جاهليتهم ؟ قال : فقال رجل من عرض قريش :
والله إن أباك المنتفق لفي النار . قال : فلكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي; مما
قال لأبي ، على رءوس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ؟ ثم إذا الأخرى
أجمل ، فقلت : يا رسول الله ، وأهلك ؟ قال : " وأهلي ، لعمر الله ما أتيت
عليه من قبر عامري أو قرشي من مشرك ، فقل : أرسلني إليك محمد ، فأبشرك بما يسوءك
; تجر على وجهك وبطنك في النار " . قال : قلت : يا رسول الله ، ما فعل بهم ذلك ،
وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وقد كانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال :
" ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم - يعني نبيا - فمن عصى نبيه كان من
الضالين ، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين " .
وقد رواه أبو داود في رواية أبي سعيد بن الأعرابي " عن أبي داود
، "عن الحسن بن علي ، عن إبراهيم بن حمزة ، به ، قال شيخنا : لعله من زيادات
ابن الأعرابي .
وقال الوليد بن مسلم ، وقد جمع أحاديث وآثارا في مجلد
تشهد لحديث الصور في متفرقاته : أخبرنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، في قوله : واستمع يوم
ينادي المنادي من مكان قريب [ قال : ملك قائم على صخرة بيت المقدس ، ينادي : أيتها
العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء . وبه
عن قتادة قال : لا يفتر عن أهل القبور عذاب القبر إلا فيما بين نفخة الصعق ونفخة
البعث ، فلذلك يقول الكافر حين يبعث : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا [ يس : 52 ]
يعني تلك الفترة ، فيقول له المؤمن ): هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ( سورة يس.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني علي بن الحسين بن
أبي مريم ، عن محمد بن الحسين ، حدثني صدقة بن بكر السعدي ، حدثني معدي بن سليمان
، قال : كان أبو محلم الجسري يجتمع إليه إخوانه ، وكان: حكيما ، وكان إذا تلا هذه
الآية : ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من
بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون [ 51 ، 52 ] ، بكى ، ثم قال : إن
القيامة لمعاريض ، صفة ذهبت فظاعتها بأوهام العقول ، أما والله ، لئن كان القوم في
رقدة مثل ظاهر قولهم لما دعوا بالويل عند أول وهلة من بعثهم ، ولم يوقفوا بعد موقف
عرض ولا مساءلة ، إلا وقد عاينوا خطرا عظيما ، وحققت عليهم القيامة بالجلائل من
أمرها ، ولئن كانوا في طول الإقامة في البرزخ; كانوا يألمون ويعذبون في قبورهم ،
فما دعوا بالويل عند انقطاع ذلك عنهم إلا وقد نقلوا إلى طامة هي أعظم منه ، ولولا
أن الأمر على ذلك لما استصغر القوم ما كانوا فيه فسموه رقادا بالنسبة إلى ما
يستقبلون من أهوال يوم القيامة ، كما يقال هذا الشيء عند هذا الشيء رقادا ، وإن
كان في الأول شدائد وأهوال ، ولكنه بالنسبة إلى ما هو أشد منه وأدهى وأمر كأنه
رقاد ، وإن في القرآن لدليلا على ذلك ، حين يقول : فإذا جاءت الطامة الكبرى [ النازعات : 34 ]
، قال : ثم يبكي حتى يبل لحيته . وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الله بن العلاء
، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : اجتمع الناس إلى
سائح بين [، العراق والشام في الجاهلية ، فقام فيهم فقال : أيها الناس ، إنكم
ميتون ، ثم مبعوثون إلى الإدانة والحساب . فقام رجل فقال : والله لقد رأيت رجلا لا
يبعثه الله أبدا ، رأيته وقع عن راحلته في موسم من مواسم العرب ، فوطئته الإبل
بأخفافها ، والدواب بحوافرها ، والرجالة بأرجلها ، حتى رم فلم يبق منه أنملة . فقال السائح :
بيد أنك من قوم سخيفة أحلامهم ، ضعيف يقينهم ، قليل علمهم ، لو أن الضبع بيتت تلك
الرمة فأكلتها ، ثم ثلطتها ، ثم غدت عليه الناب فأكلته وبعرته ، ثم غدت عليه
الجلالة فالتقطته ، ثم أوقدته تحت قدر أهلها ، ثم نسفت الرياح رماده - لأمر الله يوم
القيامة كل شيء أخذ منه شيئا أن يرده ، فرده ، ثم بعثه الله للإدانة والثواب .
وقال الوليد بن مسلم : حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
; أن شيخا من شيوخ الجاهلية القساة قال : يا محمد ، ثلاث بلغني أنك تقولهن ، لا
ينبغي لذي عقل أن يصدقك فيهن ، بلغني أنك تقول : إن العرب تاركة ما كانت تعبد هي
وآباؤها ، وإنا سنظهر على كنوز كسرى وقيصر ، وإنا سنبعث بعد أن نرم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجل ، والذي
نفسي بيده ، لتتركن العرب ما كانت تعبد هي وآباؤها ، ولتظهرن على كنوز كسرى وقيصر
، ولتموتن ثم لتبعثن ، ثم لآخذن بيدك يوم القيامة فلأذكرنك مقالتك هذه " . قال : ولا
تضلني في الموتى ولا تنساني؟ قال : " ولا أضلك في الموتى ولا أنساك " .
قال : فبقي ذلك الشيخ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورأى ظهور المسلمين
على كنوز كسرى ، وقيصر ، فأسلم ، وحسن إسلامه ، وكان كثيرا ما يسمع عمر بن الخطاب
رضي الله عنه نحيبه وبكاءه ، في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعظامه ما كان
واجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عمر يأتيه ويسكن منه ، ويقول : قد
أسلمت ووعدك رسول الله صلى الله عليه وسلم الود أن يأخذ بيدك ، ولا يأخذ رسول الله
صلى الله عليه وسلم بيد أحد إلا أفلح وسعد ، إن شاء الله . وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا
فضيل بن عبد الوهاب ، أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، قال : جاء
العاص بن وائل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم حائل ففته ، وقال : يا محمد
، أيبعث الله هذا؟ قال : " نعم ، يميتك الله ، ثم يحييك ، ثم يدخلك نار جهنم
" . فنزلت وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها
الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ يس : 78 ، 79 ] . وقال الضحاك في قوله تعالى : ولقد علمتم النشأة الأولى
[الواقعة : 62 ] ، . قال : خلق آدم وخلقكم ، فلولا تصدقون [
الواقعة : 57 ] ، قال : فهلا تصدقون .
وعن أبي جعفر الباقر قال : كان يقال : عجبا لمن يكذب
بالنشأة الآخرة ، وهو يرى النشأة الأولى ، يا عجبا كل العجب لمن يكذب بالنشر بعد
الموت ، وهو ينشر في كل يوم وليلة . رواه ابن أبي الدنيا .
وقال أبو العالية في قوله تعالى[ وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ
الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ الروم27
[ الروم
، قال : إعادته أهون عليه من ابتدائه ، وكل عليه يسير . رواه ابن أبي الدنيا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن
همام بن منبه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله
تعالى : كذبني عبدي ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، أما تكذيبه إياي
فقوله : لن يعيدني كما بدأني . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدا . وأنا الأحد الصمد
الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " . وهو ثابت في " الصحيحين "
وفيهما قصة الذي عهد إلى بنيه إذا مات أن يحرقوه ، ثم
يذروا - يوم ريح - نصف رماده في البر ونصفه في البحر ، وقال : والله لئن قدر الله
علي ليعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين . وذلك أنه لم يدخر له عند الله حسنة
واحدة . فلما مات فعل به بنوه ما أمرهم به . فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر
البحر فجمع ما فيه ، فإذا هو رجل قائم بين يدي ربه ، فقال له : ما حملك على هذا؟
قال : خشيتك ، وأنت أعلم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما تلافاه أن غفر
له .
وعن صالح المري قال : دخلت المقابر نصف النهار ، فنظرت
إلى القبور كأنهم قوم صموت ، فقلت : سبحان من يحييكم وينشركم من بعد طول البلى .
فهتف بي هاتف من بعض تلك الحفر : يا صالح ، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره
ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [ الروم : 25 ] . قال : فخررت والله
مغشيا علي .
بعث الناس حفاة عراة غرلا ، وذكر أول من يكسى يومئذ من
الناس روى الإمام أحمد من حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : " يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا " . قال : فقالت عائشة : يا
رسول الله ، فكيف ، بالعورات؟ فقال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [ عبس : 37 ]
وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث حاتم بن أبي صغيرة ، عن عبد الله بن
أبي مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة ، بنحوه .
- ومن طريق سعيد بن جبير يحدث ، قال : سمعت ابن عباس ،
قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة ، فقال : " يا أيها
الناس ، إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا
إنا كنا فاعلين [ الأنبياء : 104 ] . ألا وإن أول الخلق يكسى يوم القيامة إبراهيم
، وإنه سيجاء بأناس من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فلأقولن : أصحابي . فليقالن لي
: إنك
لا تدري ما أحدثوا بعدك . فلأقولن كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت
فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم
عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [ المائدة : 117 ، 118 ] فيقال : إن هؤلاء لم
يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " . أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة
. ورواه أحمد ، عن سفيان بن عيينة . وفي الصحيحين من
حديثه ، عن عمرو بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مرفوعا : ( إنكم
محشورون إلى الله عز وجل ، حفاة عراة غرلا " .
ورواه البيهقي من حديث هلال بن خباب ، عن سعيد بن جبير ،
عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحشرون حفاة عراة غرلا
" ، فقالت زوجته : أينظر بعضنا إلى عورة بعض ؟ فقال : " يا فلانة ، لكل
امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ?
وأخرج الحافظ أبو بكر البيهقي : من طريق عبد الله بن
الحارث ، عن أبي هريرة ، قال : يحشر الناس حفاة عراة غرلا قياما أربعين سنة ،
شاخصة أبصارهم إلى السماء ، قال : فيلجمهم العرق من شدة الكرب ، ثم يقال : اكسوا
إبراهيم . فيكسى قبطيتين من قباطي الجنة . قال : ثم ينادى لمحمد صلى الله عليه
وسلم ، فيفجر له الحوض ، وهو ما بين أيلة إلى مكة . قال : فيشرب ويغتسل ، وقد
تقطعت أعناق الخلائق يومئذ من العطش . قال : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكسى من
حلل الجنة ، فأقوم عن - أو على - يمين الكرسي ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام
يومئذ غيري ، فيقال : سل تعط ، واشفع تشفع " . [ فقام رجل ، فقال : أترجو
لوالديك شيئا؟ فقال : ( إني شافع لهما ، أعطيت أو منعت ، ولا أرجو لهما شيئا " .
قال البيهقي : قد يكون هذا قبل نزول النهي عن الاستغفار
للمشركين ، والصلاة على المنافقين . وقال القرطبي : وروى ابن المبارك ، عن سفيان ،
عن عمرو بن قيس ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علي ، قال :
أول من يكسى الخليل قبطيتين ، ثم محمد صلى الله عليه وسلم حلة حبرة عن يمين العرش .
وقال أبو عبد الله القرطبي في كتاب " التذكرة " : وروى أبو
نعيم الأصبهاني ، من حديث الأسود ، وعلقمة ، وأبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يكسى إبراهيم ، عليه السلام
، يقول الله تعالى : اكسوا خليلي . فيؤتى بريطتين بيضاوين ، فيلبسهما ، ثم يقعد
مستقبل العرش ، ثم أوتى بكسوتي ، فألبسها ، فأقوم عن يمينه قياما لا يقومه أحد
غيري يغبطني فيه الأولون والآخرون
" .
قال القرطبي : وقال الحليمي في " منهاج الدين " له : وروى
عباد بن كثير ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم
القيامة من قبورهم ، يؤذن المؤذن ، ويلبي الملبي ، وأول من يكسى من حلل الجنة
إبراهيم ، ثم محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم النبيون ، ثم المؤذنون . وذكر تمامه .
وروى البيهقي من حديث إسماعيل بن أبي أويس ، حدثني أبي ،
عن محمد بن أبي عياش ، عن عطاء بن يسار ، عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يبعث الناس حفاة عراة غرلا ، قد ألجمهم
العرق ، فبلغ شحوم الآذان " . قلت : يا رسول الله ، واسوأتاه ، ينظر بعضنا
إلى بعض؟! قال : " يشغل الناس عن ذلك ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [ إسناده جيد ،
وليس هو في المسند ولا في الكتب
.
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن عبد
الحميد بن سليمان ، حدثني محمد بن أبي موسى ، عن عطاء بن يسار ، عن أم سلمة ، قالت
: سمعت
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الناس حفاة عراة كما بدءوا " . قالت [ ص:
375 ] أم سلمة : يا رسول الله ، هل ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال : " شغل الناس " . قلت : وما
شغلهم؟ قال : " نشر الصحف فيها مثاقيل الذر ، ومثاقيل الخردل " .
- وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث
، أخبرنا الفضل بن موسى ، عن عائذ بن شريح ، عن أنس ، قال : سألت عائشة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، كيف يحشر الرجال؟ فقال : " حفاة
عراة " . ثم انتظرت ساعة ، ثم قالت : يا رسول الله ، كيف يحشر النساء؟ قال :
كذلك ، حفاة عراة " . قالت : واسوأتاه من يوم القيامة . قال : " وعن أي
ذلك تسألين؟ إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا " . قالت :
أي آية يا رسول الله؟ قال : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه [ عبس : 37 ] .
- وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا روح بن حاتم ،
حدثنا هشيم ، عن الكوثر ، وهو ابن حكيم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة غرلا " . فقالت
عائشة : والنساء بأبي أنت وأمي؟! فقال : " نعم " . فقالت : واسوأتاه! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ومن أي شيء عجبت يا بنت أبي بكر؟ "
فقالت : عجبت من حديثك ، يحشر الرجال والنساء حفاة عراة غرلا ، ينظر بعضهم إلى بعض
. قال : فضرب على منكبها ، فقال : " يا بنت أبي قحافة ، شغل الناس يومئذ عن
النظر ، وسموا بأبصارهم إلى السماء ، موقوفون أربعين سنة لا يأكلون ولا يشربون ،
شاخصين بأبصارهم إلى السماء أربعين سنة ، فمنهم من يبلغ العرق قدميه ، ومنهم من
يبلغ ساقيه ، ومنهم من يبلغ بطنه ، ومنهم من يلجمه العرق ، من طول الوقوف ، ثم
يترحم الله من بعد ذلك على العباد ، فيأمر الملائكة المقربين ، فيحملون عرشه من
السماوات إلى الأرض حتى يوضع عرشه في أرض بيضاء لم يسفك عليها دم ، ولم يعمل فيها
خطيئة ، كأنها الفضة البيضاء ، ثم تقوم الملائكة حافين من حول العرش ، وذلك أول
يوم نظرت فيه عين إلى الله تعالى ، فيأمر مناديا فينادي بصوت يسمعه الثقلان الجن
والإنس : أين فلان ابن فلان ؟ أين فلان ابن فلان ؟ فيشرئب الناس لذلك الصوت ،
ويخرج ذلك المنادى من الموقف ، فيعرفه الله [ ص: 377 ] الناس ، ثم يقال : تخرج معه
حسناته . فيعرف الله أهل الموقف تلك الحسنات ، فإذا وقف بين يدي رب العالمين ، قيل
: أين أصحاب المظالم؟ فيجيئون ، رجلا رجلا ، فيقال له : أظلمت فلانا كذا وكذا؟ فيقول : نعم يا
رب . فذلك اليوم الذي تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ،
فتؤخذ حسناته ، فتدفع إلى من ظلمه يوم لا دينار ولا درهم ، إلا أخذ من الحسنات ،
ورد من السيئات ، فلا يزال أصحاب المظالم يستوفون من حسناته حتى لا يبقى له حسنة ،
ثم يقوم من بقي ممن لم يأخذ شيئا ، فيقولون : ما بال غيرنا استوفى وبقينا؟ فيقال
لهم : لا تعجلوا . فيؤخذ من سيئاتهم فترد عليه ، حتى لا يبقى أحد ظلمه بمظلمة ،
فيعرف الله أهل الموقف أجمعين ذلك ، فإذا فرغ من حسابه قيل : ارجع إلى أمك الهاوية
، فإنه لا ظلم اليوم ، إن الله سريع الحساب ، ولا يبقى يومئذ ملك ولا نبي مرسل ولا
صديق ولا شهيد ولا بشر ، إلا ظن ، لما رأى من شدة الحساب ، أنه لا ينجو إلا من
عصمه الله عز وجل " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولبعضه شاهد في " الصحيح "
- وقال الطبراني : ثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا
محمد بن أبان الواسطي ، ثنا محمد بن الحسن المزني ، عن سعيد بن المرزبان أبي سعد ،
عن عطاء بن أبي رباح ، عن الحسن بن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر
الناس يوم القيامة حفاة عراة " . فقالت امرأة : يا رسول الله ، فكيف يرى
بعضنا بعضا قال : " إن الأبصار يومئذ شاخصة . ورفع رأسه إلى السماء ، فقالت :
يا رسول الله ، ادع الله أن يستر عورتي . قال : " اللهم استر عورتها " .
- قال الإمام أحمد : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا
عبد الرحمن بن أبي الصهباء ، حدثنا نافع أبو غالب الباهلي ، حدثني أنس بن مالك ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث الناس يوم القيامة والسماء
تطش عليهم " . تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به . وفي معنى قوله صلى الله
عليه وسلم : " تطش عليهم " . احتمالان؟ أحدهما : أن يكون ذلك من المطر; أي تمطر عليهم ،
كما يقال : أصابهم طش من مطر . وهو الخفيف منه . والثاني : أن يكون ذلك من شدة
الحر ، وهو الأقرب ، والله أعلم . وقد قال الله تعالى : ألا يظن أولئك أنهم
مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين [ المطففين : 4 - 6 ] .
وقد ثبت في الصحيح " : أنهم " يقومون في الرشح
- أي في العرق - إلى أنصاف آذانهم " . وفي الحديث الآخر : أنهم يتفاوتون في
ذلك بحسب أعمالهم كما تقدم ، وفي حديث الشفاعة ، كما سيأتي ، أن الشمس تدنى من
العباد يوم القيامة ، فتكون منهم على مسافة ميل ، فعند ذلك يعرقون بحسب أعمالهم .
-وقال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد العزيز بن
محمد ، عن ثور ، عن أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " إن العرق يوم القيامة ليذهب في الأرض سبعين باعا ، وإنه ليبلغ إلى
أفواه الناس ، أو إلى آذانهم " . شك ثور أيهما قال . - وكذا رواه مسلم ، عن
قتيبة . وأخرجه البخاري ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، عن سليمان بن بلال ، عن ثور
بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
مثله .
-@ وقال الإمام أحمد : حدثنا الضحاك بن مخلد ، عن عبد
الحميد بن جعفر ، حدثني أبي ، عن سعيد بن عمير الأنصاري ، قال : جلست إلى عبد الله
بن عمر ، وأبي سعيد ، فقال أحدهما لصاحبه : أي شيء سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يذكر أنه يبلغ العرق من الناس يوم القيامة فقال أحدهما : إلى شحمته . وقال
الآخر : يلجمه . فخط ابن عمر ، وأشار أبو عاصم بأصبعه ، من شحمة أذنه إلى فيه ،
فقال : ما أرى ذلك إلا سواء . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد قوي .
-وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا الحسن بن عيسى ،
أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، حدثني سليم بن عامر ،
حدثني المقداد بن الأسود ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا
كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد ، حتى تكون قيد ميل ، أو ميلين " . قال سليم
: لا أدري أي الميلين أراد؟ أمسافة الأرض ، أم الميل الذي تكحل به العين ؟ قال :
" فتصهرهم الشمس ، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم ، فمنهم من يأخذه العرق إلى
عقبيه ، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه
إلجاما " . قال : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى فيه ، قال :
" يلجمه إلجاما " . وكذا رواه الترمذي ، عن سويد بن نصر ، عن ابن
المبارك ، وقال : حسن صحيح .
-وأخرجه مسلم ، عن الحكم بن موسى ، عن يحيى بن حمزة ، عن
ابن جابر ، به نحوه
.
-وقال ابن المبارك ، عن مالك بن مغول ، عن عبيد الله بن
العيزار ، قال : إن الأقدام يوم القيامة مثل النبل في القرن ، والسعيد الذي يجد
لقدمه موضعا يضعهما فيه ، وإن الشمس لتدنى من رءوسهم ، حتى يكون بينها وبين رءوسهم
- إما
قال : ميلا . أو : ميلين - ويزاد في حرها تسعة وستين ضعفا . وقال الوليد بن مسلم ،
عن أبي بكر بن سعيد ، عن مغيث بن سمي ، قال : تركد الشمس فوق رءوسهم على أذرع ،
وتفتح أبواب جهنم ، فتهب عليهم رياحها وسمومها ويخرج عليهم نفحاتها ، حتى تجري
الأنهار من عرقهم أنتن من الجيف ، والصائمون في جناتهم في ظل العرش .
- وقد ثبت في " الصحيح " عن أبي هريرة ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا
ظله - وفي رواية : إلا ظل عرشه - إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه
معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ،
ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا
تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه " .
- وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، ويحيى بن إسحاق ، قالا
: حدثنا ابن لهيعة ، قال : حدثنا خالد بن أبي عمران ، عن القاسم ، عن عائشة ، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون من السابقون إلى ظل الله عز
وجل ، يوم القيامة ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " الذين إذا
أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوه بذلوه ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " . تفرد
به أحمد ، وإسناده مقارب ، فيه ابن لهيعة وقد تكلموا فيه ، وشيخه ليس بالمشهور .
- وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا الأصبغ ، هو
ابن زيد ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، حدثني ربيعة ، هو ابن عمرو الجرشي
الشامي ، قال : سألت عائشة فقلت : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا
قام من الليل؟ وبم كان يفتتح الصلاة؟ قالت : كان يكبر عشرا ، ويحمد عشرا ، ويهلل
عشرا ، ويستغفر عشرا ، ويقول : " اللهم اغفر لي ، واهدني ، وارزقني " . عشرا ،
ويقول : " اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب " . عشرا .
- وكذا رواه النسائي في " اليوم والليلة " عن أبي
داود الحراني ، عن يزيد بن هارون ، بإسناده مثله ، وعنده : " من ضيق المقام
يوم القيامة " .
- وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، هو ابن سعيد القطان ،
عن ابن عجلان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
، قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الناس ، يعلوهم كل
شيء ، من الصغار ، حتى يدخلوا سجنا في جهنم ، يقال له : بولس . فتعلوهم نار
الأنيار ، فيسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار . ورواه الترمذي ، والنسائي
جميعا عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن عجلان ، به ، وقال
الترمذي : حسن .
- وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عثمان
العقيلي ، حدثنا محمد بن راشد ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر المتكبرون في صور الذر يوم
القيامة " . ثم قال : تفرد به محمد بن عثمان ، عن شيخه .
- وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " أهوال القيامة
" : حدثنا عبد الله بن عمر الجشمي ، حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، أنبا
قتادة ، عن الحسن ، عن عمران بن حصين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في
بعض أسفاره ، وقد تفاوت بين أصحابه السير ، فرفع بهاتين الآيتين صوته : يا أيها
الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت
وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد الحج : فلما سمع ذلك
أصحابه حثوا المطي ، وعلموا أنه عند قول يقوله ، فلما تأشبوا حوله ، قال : "
أتدرون أي يوم ذاك ؟ ذاك يوم ينادى آدم يناديه ربه ؟ يقول : يا آدم ، ابعث بعث
النار . قال : يا رب ، وما بعث النار؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى
النار ، وواحد إلى الجنة " . قال : فأبلس أصحابه حتى ما أوضحوا بضاحكة ، فلما
رأى ذلك قال : " اعملوا ، وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين
ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه ، يأجوج ومأجوج ، ومن هلك من بني آدم ومن بني إبليس
" . قال : فسري عنهم ، ثم قال : " اعملوا ، وأبشروا ، فوالذي نفس محمد
بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير ، أو كالرقمة في ذراع الدابة
" . وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن محمد بن بشار بندار ، عن يحيى بن
سعيد القطان ، به ، وقال الترمذي ، : حسن صحيح .
طول يوم القيامة ، وما ورد في مقداره
قال الله سبحانه (: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله
وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) ] الحج : 47 ] . قال بعض المفسرين : هو
يوم القيامة .
وقال تعالى (سأل سائل بعذاب واقع) إلى قوله(فاصبر صبرا
جميلا) ( المعارج : 1 - 5 )
- وقد رواه البيهقي بلفظ آخر ، وقال : أخبرنا أبو بكر
أحمد بن الحسن القاضي ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن
يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا أبو سلمة الخزاعي ، حدثنا خلاد بن
سليمان الحضرمي - وكان رجلا من الخائفين - قال : سمعت دراجا أبا السمح يخبر عمن
حدثه ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أخبرني من يقوى
على القيام يوم القيامة الذي قال الله تعالى : يوم يقوم الناس لرب العالمين
المطففين : 6 فقال : " يخفف على المؤمن حتى يكون كالصلاة المكتوبة " . - وقال
عبد الله بن عمرو بن العاص : إن للمؤمنين يوم القيامة كراسي من نور ، يجلسون عليها
، ويظلل عليهم الغمائم ، ويكون يوم القيامة عليهم كساعة من نهار ، أو كأحد طرفيه .
رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال
" .
- وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد ، عن
سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه إلا جعل كنزه صفائح يحمى عليها في نار
جهنم ، فتكوى بها جبهته ، وجنبه ، وظهره ، حتى يحكم الله بين عباده ، في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ،
وذكر بقية الحديث في مانع زكاة الغنم ، والإبل ، أنه يبطح لها بقاع قرقر ، تطؤه
بأخفافها وأظلافها ، وتنطحه بقرونها ، كلما مرت عليه أخراها أعيدت عليه أولاها ،
حتى يقضي الله بين العباد ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ، ثم يرى
سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار
.
- وهكذا رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " : أخبرنا
وهيب بن خالد ، وكان ثقة ، حدثنا سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه
.
- وأخرجه مسلم من حديث روح بن القاسم ، وعبد العزيز بن
المختار ، كلاهما عن سهيل ، به مثله ./ وأخرجه مسلم أيضا من حديث زيد بن أسلم ، عن
أبي صالح ، عن أبي هريرة مرفوعا في الذهب ، والفضة ، والإبل ، والبقر ، والغنم .
- وقد رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، من حديث شعبة ،
والنسائي من حديث سعيد بن أبي عروبة ، كلاهما عن قتادة ، عن أبي عمر الغداني ، عن
أبي هريرة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كانت له إبل لا
يعطي حقها في نجدتها ورسلها - يعني في عسرها ويسرها - فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ
ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، إذا
جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى
بين الناس ، فيرى سبيله . وإذا كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ، فإنها
تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، ثم يبطح لها بقاع قرقر ،
فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا عضباء ،
إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى
يقضى بين الناس ، فيرى سبيله . وإذا كان له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها ،
فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكبره وأسمنه وآشره ، حتى يبطح لها بقاع
قرقر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ، ليس فيها عقصاء ولا
عضباء ، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ،
حتى يقضى بين الناس ، فيرى سبيله
" .
قال البيهقي : وهذا لا يحتمل إلا تقدير ذلك اليوم بخمسين
ألف سنة مما تعدون ، والله أعلم ، ثم لا يكون ذلك كذلك إلا على الذي لا يغفر له ،
فأما من غفر له ذنبه من المؤمنين ، فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا الحسن
بن محمد بن حليم ، أخبرنا أبو الموجه ، أخبرنا عبدان ، أخبرنا عبد الله ، هو ابن
المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن أبي هريرة ، قال : يوم
القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر . ثم قال : هذا هو المحفوظ ، وقد
روي مرفوعا ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، حدثني عبد الله بن عمر بن علي الجوهري
بمرو ، حدثنا يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم ، حدثنا سويد بن نصر ، حدثنا ابن
المبارك ، فذكره بإسناده مرفوعا
.
- وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا
ابن وهب ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة ، عن أبي هانئ ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ،
عن عبد الله بن عمرو ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : يوم
يقوم الناس لرب العالمين ) المطففين : 6 ( . قال : " كيف بكم إذا جمعكم الله
كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، حدثنا عبد
الله بن عثمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا سفيان ، عن ميسرة ، عن المنهال بن عمرو
، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : لا ينتصف النهار من يوم القيامة
حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ، ثم قرأ
:
( ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم ( قال ابن المبارك : هكذا هي
في قراءة ابن مسعود .
ثم قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا وكيع ، حدثنا
سفيان ، عن ميسرة النهدي ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن
مسعود في قوله : [ الفرقان : 24 ] . قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل
هؤلاء وهؤلاء .
فصل في مجيء الرب سبحانه وتعالى كما يشاء يوم القيامة
لفصل القضاء بين خلقه
ذكر في حديث الصور المتقدم أنه إذا ذهب رسول الله صلى
الله عليه وسلم فشفع عند الله عز وجل ليفصل بين العباد ، فيقول الرب تعالى : أنا
آتيكم فأقضي بينكم . ثم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقف مع الناس في مقامه
الأول ، فحينئذ تنشق السماوات بغمام النور ، وتنزل الملائكة تنزيلا ، فينزل أهل
السماء الدنيا ، وهم قدر أهل الأرض من الجن والإنس ، فيحيطون بهم دائرة ، ثم تنشق
السماء الثانية فتنزل ملائكتها وهم قدر الجن والإنس وقدر ملائكة سماء الدنيا ،
فيحيطون بمن هناك من الملائكة والجن والإنس دائرة ، ثم كذلك أهل السماء الثالثة ،
والرابعة ، ثم الخامسة ، ثم السادسة ، ثم السابعة ، فكل أهل سماء تحيط بمن قبلهم
دائرة ، ثم تنزل الملائكة الكروبيون وحملة العرش ، ومن حوله من المقربين ، ولهم
زجل بالتسبيح والتقديس والتعظيم; يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي
الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت . ثم يأتيهم الله
لفصل القضاء .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في " الأهوال " : حدثنا
حمزة بن العباس ، أخبرنا عبد الله بن عثمان ، أخبرنا ابن المبارك ، أخبرنا عوف ،
عن أبي المنهال سيار بن سلامة الرياحي ، حدثنا شهر بن حوشب ، حدثني ابن عباس ، قال
: إذ كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وزيد في سعتها كذا وكذا ، وجمع
الخلائق بصعيد واحد; جنهم وإنسهم ، فإذا كان كذلك قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها
، فنثروا على وجه الأرض ، ولأهل هذه السماء الدنيا وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض ،
جنهم وإنسهم بالضعف ، فإذا رآهم أهل الأرض فزعوا إليهم ، ويقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون
من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا ليس فينا ، وهو آت . ثم تقاض السماء الثانية ،
ولأهل السماء الثانية أكثر من أهل هذه السماء الدنيا ، ومن جميع أهل الأرض بالضعف
، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض ، ويقولون : أفيكم ربنا؟ فيفزعون
من قولهم ، ويقولون : سبحان ربنا! ليس فينا ، وهو آت . ثم تقاض السماوات سماء سماء
، كلما قيضت سماء كانت أكثر من أهل السماوات التي تحتها ، ومن جميع أهل الأرض
بالضعف؟ جنهم وإنسهم ، كلما نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض ، ويقولون
لهم مثل ذلك ، ويرجعون إليهم مثل ذلك حتى تقاض السماء السابعة ، ولأهلها وحدهم
أكثر من أهل ست سماوات ، ومن أهل الأرض بالضعف ، ويجيء الله فيهم ، والأمم جثا
صفوف ، فينادي مناد : ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم ، ليقم الحمادون لله على كل
حال ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي ثانية : ستعلمون من أصحاب الكرم اليوم
، ليقم الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم
ينفقون [ السجدة : 16 ] ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، ثم ينادي ثالثة : ستعلمون من
أصحاب الكرم اليوم ، ليقم الذين كانوا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام
الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار [ النور : 37 ] ، فيقومون فيسرحون إلى الجنة ، فإذا لم
يبق أحد من هؤلاء الثلاثة خرج عنق من النار ، فأشرف على الخلائق ، له عينان
بصيرتان ، ولسان فصيح ، فيقول : إني وكلت بثلاثة ، وكلت بكل جبار عنيد . فيلقطهم
من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس بهم في جهنم ، ثم يخرج الثانية ، فيقول :
إني وكلت بمن آذى الله ورسوله . فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس
بهم في جهنم ، ثم يخرج الثالثة ، فيقول : إني وكلت بأصحاب التصاوير . فيلقطهم من
الصفوف لقط الطير حب السمسم ، فيخنس بهم في جهنم ، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة ، ومن
هؤلاء ثلاثة ، نشرت الصحف ، ووضعت الموازين ، ودعيت الخلائق للحساب .
- وقد قال الله تعالى (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء
ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [ الفجر : 21 - 23
] ، الآيات . - وقال تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام
والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور [ البقرة : 210 ] وقال تعالى : وأشرقت
الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا
يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون [ الزمر : 69 ، 70 ] . وقال تعالى :
ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما
على الكافرين عسيرا [ الفرقان : 25 ، 26 ] .
وقال في حديث الصور : " فيضع الله كرسيه حيث شاء من
أرضه . يعني بذلك كرسي فصل القضاء ، وليس هذا بالكرسي المذكور في آية الكرسي ، ولا
المذكور في " صحيح ابن حبان " : " ما السماوات السبع والأرضون
السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وما الكرسي في
العرش إلا كتلك الحلقة بتلك الفلاة ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " .
وقد يطلق على هذا الكرسي اسم العرش ، فقد ورد ذلك في بعض
الأحاديث ، كما في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة : سبعة يظلهم الله في
ظله " - وفي رواية : " في ظل عرشه " - " يوم لا ظل إلا ظله
" الحديث بتمامه .
وثبت في " صحيح البخاري " من حديث الزهري ، عن
أبي سلمة ، وعبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " إذا كان يوم القيامة فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق ، فأجد
موسى باطشا بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فأفاق قبلي ، أم جوزي بصعقة
الطور؟ " . فقوله : " أم جوزي بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي
يحصل للناس يوم القيامة سببه تجلي الرب سبحانه لعباده لفصل القضاء ، فيصعق الناس
من تجلي العظمة والجلال ، كما صعق موسى يوم الطور حين تجلى ربه للجبل فجعله دكا ،
وخر موسى صعقا .
فموسى ، عليه السلام ، إذا صعق الناس يوم القيامة ; إما أن يكون
جوزي بصعقة الطور فلا يصعق يومئذ ، وإما أن يكون صعق فأفاق ، أي صعق صعقة خفيفة ،
فأفاق قبل الناس كلهم . والله أعلم
.
وقد ورد في بعض الأحاديث ، أن المؤمنين يرون الله في
عرصات القيامة ، كما ثبت في " الصحيحين " ، واللفظ للبخاري من طريق قيس
بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ليلة البدر ، فقال : " إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا
تضامون في رؤيته " . وفي رواية للبخاري : " إنكم سترون ربكم عيانا .
وجاء أنهم يسجدون له سبحانه يومئذ ، كما قال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن
المغلس الحماني ، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم
القيامة أذن لأمة محمد في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ،
فقد جعلنا عدتكم فداءكم من النار " . وله شواهد من وجوه أخر ، كما سيأتي .
- وقال البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن
حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، قال : " حتى إن أحدهم ليتلفت فيكشف عن ساق ، فيقعون سجودا ،
وترجع أصلاب المنافقين حتى تكون عظما ، كأنها صياصي البقر " . ثم قال : لا نعلم حدث به
عن الأعمش إلا أبا عوانة ، قلت(أى الحافظ ابن كثير) : وسيأتي له شاهد من وجه آخر .
- وذكر في حديث الصور : " إن الله ينادي العباد يوم القيامة فيقول : إني قد
أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا ، أرى أعمالكم وأسمع أقوالكم ، فأنصتوا لي ،
فإنما هي أعمالكم ، وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير
ذلك فلا يلومن إلا نفسه "
.
- وروى الإمام أحمد ، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل
، عن جابر بن عبد الله ، أنه اشترى راحلة ، وسار إلى عبد الله بن أنيس شهرا ; ليسمع منه حديثا
بلغه عنه ، فلما سأله عنه ، قال : سمعت رسول الله يقول : " يحشر الناس يوم القيامة - أو
قال : العباد - عراة غرلا بهما " . قلنا : وما بهما ؟ قال : " ليس معهم
شيء ، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك ، أنا الديان ،
لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه
منه ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق ،
حتى أقصه منه ، حتى اللطمة " . قال : قلنا : وكيف وإنا إنما نأتي الله بهما ؟ قال
: " بالحسنات والسيئات
" .
- وفى " صحيح مسلم " ، عن أبي ذر ، عن النبي
صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي الطويل : " يا عبادي ، إنما هي أعمالكم
أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا
يلومن إلا نفسه " .
- وقد قال تعالى : إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة
ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم
نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد [ هود : 103 - 105 ] . ثم ذا سبحانه ما أعده
للأشقياء ، وما أعده للسعداء ، وقال تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبإ : 38 ] .
- وثبت في " الصحيحين " : " ولا يتكلم
يومئذ إلا الرسل
-" . وقد عقد البخاري ، رحمه الله بابا في ذلك ،
فقال في كتاب التوحيد من " صحيحه " : باب كلام الرب ، سبحانه وتعالى يوم
القيامة مع الأنبياء وغيرهم . ثم أورد فيه حديث أنس في الشفاعة بتمامه ، وحديث عدي
: " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه " الحديث ، وحديث ابن عمر في النجوى .
- وقد قال الله تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا
يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ المائدة : 109 ] . وقال تعالى :
فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين [
الأعراف : 6 ، 7 ] . وقال تعالى : فوربك لنسألنهم
أجمعين عما كانوا يعملون [ الحجر : 92 ، 93 ] .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا حمزة بن العباس ، أخبرنا
عبد الله بن عثمان ، أنبأنا ابن المبارك ، أنبأنا رشدين بن سعد ، أخبرني ابن أنعم
المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة ، يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا جمع
الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في
عهدي؟ هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم يا رب ، قد بلغته جبريل ، فيدعى جبريل فيقال له :
هل بلغك إسرافيل عهدي؟ فيقول : نعم ، قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل
: هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل . فتدعى الرسل [ ص: 481 ] فيقول لهم : هل
بلغكم جبريل عهدي؟ فيقولون : نعم . فيخلى عن جبريل ، ويقال للرسل : ما فعلتم بعهدي؟
فيقولون : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم ، فيقال لهم : هل بلغكم الرسل عهدي؟ فمنهم
المكذب ، ومنهم المصدق ، فيقول الرسل : إن لنا عليهم شهداء يشهدون أن قد بلغنا مع
شهادتك . فيقول : من يشهد لكم؟ فيقولون : أمة أحمد . فتدعى أمة أحمد ، فيقول :
أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه؟ فيقولون : نعم رب ،
شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا؟ فيقول لهم
الرب تعالى : كيف تشهدون على من لم تدركوا؟ فيقولون : ربنا ، بعثت إلينا رسولا ،
وأنزلت إلينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت إلينا .
فيقول الرب : صدقوا . فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] .
قال ابن أنعم : فبلغني أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم
تشهد ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه .
كلام الرب تعالى مع نوح ، عليه السلام ، وسؤاله إياه عن
البلاغ
كما قال الله تعالى : فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن
المرسلين [ الأعراف : 6 ] - وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي
صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح
، عليه السلام ، يوم القيامة ، فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه ،
فيقال : هل بلغكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير " أو : " ما أتانا من أحد
" . قال : " فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " . قال :
" فذلك قوله : وكذلك جعلنكم أمة وسطا [ البقرة : 143 ] . قال : " والوسط
العدل " ، قال : " فيدعون ، فيشهدون له بالبلاغ " . قال : " ثم أشهد عليكم " .
وهكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن
الأعمش ، به ، وقال الترمذي : حسن صحيح
.
وقد رواه الإمام أحمد ، بلفظ أعم من هذا ، فقال : حدثنا أبو
معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ، والنبي ومعه الرجلان
، وأكثر من ذلك ، فيدعى قومه ، فيقال لهم : هل بلغكم هذا؟ فيقولون : لا . فيقال له :
هل بلغت قومك؟ فيقول : نعم . فيقال له : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى
وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم؟ فيقولون
: جاءنا نبينا ، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا . فذلك قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا
لتكونوا شهداء على الناس قال : يقول : " عدلا ، لتكونوا شهداء على الناس
ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي كريب ،
وأحمد بن سنان ، كلاهما عن أبي معاوية
.
- وفي حديث بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده معاوية بن
حيدة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أنتم توفون سبعين أمة أنتم
خيرها ، وأكرمها على الله عز وجل
"
ذكر موسى صلى الله عليه وسلم وظهور شرفه وجلالته وكرامته
يوم القيامة ووجاهته عند الله ، وكثرة أتباعه ، وانتشار أمته
قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا
موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [ الأحزاب : 69 ] . وقال تعالى :
واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور
الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [ مريم : 51 - 53 ] . وقال تعالى :
قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي [ الأعراف : 144 ] . وقال :
وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني . إلى قوله : واصطنعتك لنفسي [ طه : 39 ، 41 ] .
والقرآن مملوء بذكر موسى والثناء عليه من الله عز وجل ، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : " لا تفضلوني على موسى; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من
يفيق ، فإذا موسى ، باطش بالعرش " . الحديث .
وقال تعالى : وكلم الله موسى تكليما [ النساء : 164 ] .
وثبت في الصحيح في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه
وسلم مر بموسى ليلة الإسراء وهو قائم يصلي في قبره ، ورآه في السماء السابعة - وفي رواية : في
السادسة - ليلة الإسراء ، وكانت شريعة موسى عظيمة جدا ، وأمته كثيرة جدا ، وكان
فيهم [ ص: 488 ] الأنبياء والعلماء ، والربانيون ، والأحبار ، والعباد ، والزهاد ،
والصالحون ، والمؤمنون ، والمسلمون ، والملوك ، والسادات ، والكبراء ، وطالت
أيامهم في أرغد عيش وأطيبه ، مع القهر ، والغلبة لأهل الأرض قاطبة ، ولا سيما في
زمن داود ، وسليمان ، عليهما السلام ، وقد مدح الله بعضهم ، وأثنى عليه في القرآن
، فقال تعالى : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [ الأعراف : 159 ] ، وقال : وقطعناهم في
الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك [ الأعراف : 168 ] . وقال : أولئك الذين
أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم
وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا [ مريم : 158 ] . وقال تعالى : ولقد آتينا بني
إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين
وآتيناهم بينات من الأمر [ الجاثية : 16 ، 17 ] ، وقد ذكرهم الله كثيرا في القرآن
. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سوادا عظيما قد سد الأفق ، فظنها أمته ، فقيل
: هذا موسى وقومه . والآيات والأحاديث في فضل موسى صلى الله عليه وسلم في الدنيا
والآخرة كثيرة جدا . ( مخاطبة الله عز وجل لعبده الكافر يوم القيامة )
وأما الكفار فقد قال الله تعالى : إن الذين يشترون بعهد
الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر
إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ آل عمران : 77 ] .
- وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب
ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ البقرة : 174 ، 1175 ] والمراد من هذا أنه لا
يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاما ينتفعون به ونظرا يرحمهم به . كما أنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون; لقوله تعالى : ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس
وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال
النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم [ الأنعام : 128 ] . وقال
تعالى : هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ
للمكذبين [ المرسلات : 38 - 40 ] . وقال تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له
كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [ المجادلة : 18 ] [ ص: 494 ]
ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا
هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل
ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم
يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون [
القصص : 62 - 66 ] . وقال بعده ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون
ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا
يفترون [ القصص : 74 ، 75 ] . والآيات في هذا كثيرة جدا .
وثبت في " الصحيحين " - كما سيأتي - من طريق
خيثمة ، عن عدي بن حاتم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم
من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان " . " فيلقى الرجل فيقول :
ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى
. فيقول : أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول : لا . فيقول : فاليوم أنساك كما نسيتني "
. فهذا فيه تصريح بمخاطبة الله لعبده الكافر .
وأما العصاة ففي حديث ابن عمر الذي في " الصحيحين
" حديث النجوى - كما سيأتي - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدني
الله العبد يوم القيامة [ ص: 495 ] حتى يضع عليه كنفه ، ثم يقرره بذنوبه ، فيقول :
عملت في يوم كذا كذا وكذا ، وفي يوم كذا كذا وكذا . فيقول : نعم يا رب . حتى إذا
ظن أنه قد هلك ، قال الله تعالى : إني سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك
اليوم " . ذكر إبداء عنق من النار إلى المحشر فيطلع على الناس ///////
قال الله تعالى : وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان
وأنى له الذكرى [ ص: 496 ] [ الفجر : 23 ] وقال مسلم في " صحيحه " : حدثنا عمر
بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن العلاء بن خالد الكاهلي ، عن شقيق ، عن عبد الله
بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون
ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، يجرونها " . وكذا رواه الترمذي مرفوعا ،
ومن وجه آخر هو وابن جرير موقوفا
.
وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية ، حدثنا شيبان ، عن
فراس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " يخرج عنق
من النار يتكلم فيقول : وكلت اليوم بثلاثة : بكل جبار ، ومن جعل مع الله إلها آخر
، ومن قتل نفسا بغير نفس . فينطوي عليهم ، فيقذفهم في غمرات جهنم " . تفرد به
من هذا الوجه ، وسيأتي في باب الميزان عن خالد ، عن القاسم ، عن عائشة ، نحوه .
وقد قال تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا
وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا
واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [ الفرقان : 12 - 14 ] ، . قال السدي : إذا رأتهم من
مكان بعيد .
[ ص: 497 ] قال : من مسيرة مائة عام . سمعوا لها تغيظا
وزفيرا . من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله ، واتخذ معه إلها آخر . وفي الحديث
" من كذب علي ، وادعى إلى غير أبيه ، وانتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عيني
جهنم مقعدا " ، قالوا : يا رسول الله ، وهل لها من عينين؟ قال : " أوما
سمعتم الله يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا . رواه ابن أبي
حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا
عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال
: إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول الرحمن : ما لك ؟ فتقول :
إنه يستجير مني . فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول : يا رب ،
ما كان هذا الظن بك . فيقول : فما كان ظنك؟ فيقول : أن تسعني رحمتك . فيقول :
أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير
، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . إسناده صحيح .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن المنصور ، عن مجاهد
، عن عبيد بن عمر ، قال : إن جهنم تزفر زفرة ، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد
فرائصه ، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ، ويقول : رب ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .
[ ص: 498 ] وقال في حديث الصور : " ثم يأمر الله
جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا
تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا
كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون
[ يس
: 60 - 64 ] . وقال : وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 159 ] . فيميز الله بين
الخلائق ، وتجثو الأمم ، وذلك قوله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى
كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما
كنتم تعملون )[ الجاثية : 28 ، 29 ] . ( ( بيان كون الميزان له كفتان حسيتان
مشاهدتان
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ،
حدثنا ابن المبارك ، عن ليث بن سعد ، حدثني عامر بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن
الحبلي ، واسمه عبد الله بن يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق
يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا
شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال : لا يا رب . فيقول : ألك عذر ، أو حسنة؟ فيبهت
الرجل ، فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك
اليوم . فتخرج له بطاقة ، فيها : أشهد أن لا إله [ ص: 500 ] إلا الله ، وأن محمدا
عبده ورسوله . فيقول : أحضروه . فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟!
فيقول : إنك لا تظلم . قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة . قال : فطاشت
السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل شيء مع اسم الله الرحمن الرحيم " . وهكذا
رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن أبي الدنيا ، من حديث الليث - زاد الترمذي : وابن
لهيعة - كلاهما عن عامر بن يحيى ، به . قال الترمذي : حسن غريب .
سياق آخر لهذا الحديث : قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ،
حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن
عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضع الموازين
يوم القيامة ، فيؤتى بالرجل ، فيوضع في كفة ، فيوضع ما أحصي عليه ، فيتمايل به
الميزان ، [ ص: 501 ] قال : فيبعث به إلى النار ، قال : فإذا أدبر به ، إذا صائح
من عند الرحمن تعالى ، يقول : لا تعجلوا ، لا تعجلوا ، فإنه قد بقي له . فيؤتى ببطاقة
فيها : لا إله إلا الله . فتوضع مع الرجل في كفة ، حتى يميل به الميزان " .
وهذا السياق فيه غرابة ، فيه فائدة جليلة; وهي أن العامل يوزن مع عمله .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن محمد بن البراء
المقرئ ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن
عبد الله بن عمرو - رفعه - قال : " يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ،
فيخرج له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيها ذنوبه وخطاياه ، فتوضع في
كفة ، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة ، فيه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا
عبده ورسوله ، فتوضع في الكفة الأخرى ، فترجح بخطاياه " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ،
حدثنا حجاج ، عن فطر بن خليفة ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال : لما حضر
أبا بكر الموت أرسل إلى عمر ، فقال : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم
القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقله عليهم ، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق غدا
أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في
الدنيا ، وخفته عليهم ، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا .
[ ص: 502 ] وقال الإمام أحمد : عن سفيان بن عيينة ، عن
عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي
الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل شيء يوضع في الميزان خلق
حسن " .
وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها ، كما في " صحيح مسلم
" ، من طريق أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله
والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر
ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها ، أو موبقها
" . فقوله : " والحمد لله تملأ الميزان " . فيه دلالة على أن العمل نفسه
يوزن ، وذلك بأحد شيئين؟ إما أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل ، يحيله
الله تعالى يوم القيامة ، فيجعله ذاتا توضع في الميزان ، كما ورد في الحديث الذي
رواه ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، ومحمد بن سليمان ، وغيرهما ، قالوا :
حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ،
عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل
شيء يوضع في الميزان خلق حسن
" .
[ ص: 503 ] وكذا رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة
به . ورواه أحمد ، عن غندر ، ويحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن
عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال : " ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن " . وقد رواه الإمام
أحمد أيضا من حديث الحسن بن مسلم ، عن عطاء ، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة ، به ،
والترمذي من حديث مطرف ، عن عطاء الكيخاراني ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، عن يحيى
بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بخ بخ لخمس ، ما أثقلهن في الميزان : لا إله إلا الله
، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده .
وقال : بخ بخ لخمس ، من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة : يؤمن بالله ، واليوم
الآخر ، وبالجنة والنار ، وبالبعث بعد الموت ، والحساب " . انفرد به أحمد .
[ ص: 504 ] وكما ثبت في الحديث الآخر : " تأتي
البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف
، يحاجان عن صاحبهما " . والمراد من ذلك ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك
، وقيل : إنهما بذاتهما يحاجان عنه ، لا ثوابهما .
الأمر الثاني : إن العمل نفسه يوزن بوضع الصحيفة التي
كتب فيها العمل ، فيوزن العمل بالصحيفة ، كما في حديث البطاقة . والله أعلم .
وقد جاء أن العامل نفسه يوزن ، كما قال البخاري : حدثنا محمد بن
عبد الله ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا المغيرة ، حدثني أبو الزناد ، عن
الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنه
ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " . وقال :
اقرءوا إن شئتم : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا [ الكهف : 105 ] . قال البخاري :
وعن يحيى بن بكير ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد ، مثله . وقد أسند
مسلم ما علقه البخاري ، عن أبي بكر محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن بكير ، فذكره . وقد
روي من وجه آخر عن أبي هريرة; فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي " حدثنا أبو [
ص: 505 ] الوليد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن صالح مولى التوأمة ، عن
أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل الأكول الشروب
العظيم ، فيوزن بحبة فلا يزنها " . قال : وقرأ : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا .
ورواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن الصلت ، عن ابن
أبي الزناد ، عن صالح " عن أبي هريرة ، مرفوعا بلفظ البخاري سواء ، وقد قال
البزار : حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا عون بن عمارة ، حدثنا هشام بن حسان ، عن
واصل ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له ، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " يا بريدة ، هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا " . ثم قال :
تفرد به عون بن عمارة ، وليس بالحافظ ، ولم يتابع عليه .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، وحسن بن موسى ،
قالا : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود ، أنه كان يجتني
سواكا من الأراك ، وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفئه ، فضحك القوم منه ، [ ص: 506 ] فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " مم تضحكون ؟ " قالوا : يا نبي الله ، من
دقة ساقه . فقال : " والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد " .
تفرد به أحمد ، وإسناده جيد قوي ، فقد جاءت الروايات بهذه الصفات .
وفي " مسند أحمد " في بعض طرق حديث البطاقة ،
من طريق ابن لهيعة; أن العامل يوزن مع عمله وصحيفته . والله أعلم بالصواب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا القاسم بن الفضل
، قال : قال الحسن : قالت عائشة : يا رسول الله ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟
قال : " أما في مواطن ثلاثة فلا : الكتاب ، والميزان ، والصراط " .
فقوله : " الكتاب " يحتمل أن يكون كتاب
الأعمال ليشهد على الأنفس بأعمالها ، ويحتمل أن يكون ذلك عند تطاير الصحف في أيدي
الناس فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله ، كما قال البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن
محمد بن علي المقرئ ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي
، حدثنا محمد بن منهال ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أن
عائشة ذكرت النار فبكت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما [ ص: 507 ] يبكيك يا
عائشة؟ " قالت : ذكرت النار فبكيت ; هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال : أما
في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا : حيث يوضع الميزان; حتى يعلم أيثقل ميزانه أم
يخف ، وحيث يقول : هاؤم اقرءوا كتابيه [ الحاقة : 19 ] . حيث تطاير الصحف ، حتى
يعلم كتابه في يمينه ، أو في شماله ، أو من وراء ظهره ، وحيث يوضع الصراط على جسر
جهنم " . قال يونس : أشك هل قال الحسن : حافتاه كلاليب وحسك ، يحبس الله به
من يشاء من خلقه ، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟ .
ثم قال البيهقي : أخبرنا الروذباري ، أخبرنا ابن داسة ،
حدثنا أبو داود ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، وحميد بن مسعدة ، أن إسماعيل بن
إبراهيم حدثهم ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، عن عائشة ، أنها ذكرت النار فبكت
، وذكر الحديث بنحوه ، إلا أنه قال : " وعند الكتاب ، حين يقال : هاؤم اقرءوا
كتابيه . حتى يعلم أين يقع كتابه ، أفي يمينه أم في شماله ، أم من وراء ظهره ،
وعند الصراط ، إذا وضع بين ظهري جهنم " . قال يعقوب عن يونس : وهذا لفظ حديثه
.
طريق أخرى عن عائشة ، رضي الله عنها : قال الإمام أحمد :
حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن
محمد ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم [ ص: 508
] القيامة؟ قال : " يا عائشة ، أما عند ثلاث فلا; أما عند الميزان حتى يثقل
أو يخف فلا ، وأما عند تطاير الكتب ، فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله فلا ، ثم
حين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ، ويتغيظ عليهم ، ويقول ذلك العنق : وكلت
بثلاثة ، وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر ، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب ، ووكلت
بكل جبار عنيد " . قال : " فينطوي عليهم ، ويرمي بهم في غمرات ، ولجهنم
جسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف ، عليه كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، والناس
عليه كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون :
رب سلم ، رب سلم . فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكور في النار على وجهه " .
وتقدم من رواية حرب بن ميمون ، عن النضر بن أنس ، عن أنس
، أنه قال : اشفع لي يا رسول الله ، قال : " أنا فاعل " . قال : فأين
أطلبك؟ قال : " اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط " . قال : فإن لم ألقك؟
قال : " فعند الحوض " . قال : فإن لم ألقك؟ قال : " فعند الميزان؟
فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة " . رواه أحمد والترمذي .
[ ص: 509 ] وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو سهل أحمد
بن محمد بن إبراهيم المهراني ، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد ، حدثنا الحارث
بن محمد ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا صالح المري ، عن جعفر بن زيد ، عن أنس بن
مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بابن آدم يوم القيامة ،
فيوقف بين كفتي الميزان ، ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع
الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وإن خف ميزانه نادى الملك بصوت
يسمع الخلائق : شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا " . ثم مال : إسناده ضعيف
بمرة .
وقد رواه الحافظان البزار ، وابن أبي الدنيا ، عن
إسماعيل بن أبي الحارث ، عن داود بن المحبر ، حدثنا صالح المري ، عن ثابت البناني
، وجعفر بن زيد ، زاد البزار : ومنصور بن زاذان ، عن أنس بن مالك ، - يرفعه ، بنحوه
. وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا مالك بن مغول ، عن عبيد الله بن العيزار ،
قال؟ عند الميزان ملك إذا وزن العبد نادى : ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه ،
وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه ، وشقي شقاوة
لا يسعد بعدها أبدا .
[ ص: 510 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ،
حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا يوسف بن صهيب ، حدثنا موسى بن أبي المختار ، عن بلال
العبسي ، عن حذيفة ، قال : صاحب الميزان يوم القيامة جبريل ، يرد بعضهم على بعض ،
ولا ذهب يومئذ ولا فضة . قال : فيؤخذ من حسنات الظالم ، فإن لم يكن له حسنات أخذ
من سيئات المظلوم ، فردت على الظالم
.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس بن
محمد ، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي ، حدثنا أبو الأحوص ، قال : افتخرت قريش عند
سلمان ، فقال سلمان : لكني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم يؤتى بي
إلى الميزان ، فإن ثقلت فأنا كريم ، وإن خفت فأنا لئيم . قال أبو الأحوص : تدري من
أي شيء يخاف؟ إذا ثقلت ميزان عبد نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون : ألا إن فلان
ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وإذا خفت ميزانه نودي على رءوس
الخلائق : ألا إن فلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا .
وقال البيهقي : حدثنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقاء ،
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا يونس
بن [ ص: 511 ] محمد ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن يحيى بن يعمر ، عن
ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في حديث الإيمان ، قال : يا محمد ، ما
الإيمان ، قال : " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وتؤمن
بالجنة والنار والميزان ، وتؤمن بالبعث بعد الموت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره "
. قال : فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال : " نعم " . قال : صدقت . وقال
شعبة : عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود
، قال : للناس عند الميزان تجادل وزحام
.
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، قال : يوضع الميزان
وله كفتان ، لو وضع في إحداهما السماوات والأرض وما فيهن لوسعتها ، فتقول الملائكة
: يا ربنا من يزن بهذا؟ فيقول تعالى : من شئت من خلقي . فيقولون : ربنا ، ما
عبدناك حق عبادتك .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى : حدثنا مسلم
بن إبراهيم ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أبو حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في
قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ الأنبياء : 47 ] . قال : يجاء
بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه ، ويجاء بشيء مثل الغمامة ، أو مثل السحاب كثرة
فيوضع في كفة أخرى في ميزانه ، فيرجح ، فيقال : أتدري ما هذا؟ هذا العلم [ ص: 512 ] الذي تعلمته ،
وعلمته الناس ، فعلموه وعملوا به بعدك
.
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا علي
بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : قال سعيد بن جبير وهو
يحدث ذاك عن ابن مسعود ، قال : يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من
سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم
قرأ : فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا
أنفسهم [ المؤمنون : 102 ، 103 ] . ثم قال؟ إن الميزان يخف بمثقال حبة من خردل أو
يرجح .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا هارون بن سفيان ، حدثنا
السهمي ، حدثنا عباد بن شيبة ، عن سعيد بن أنس ، عن الحسن ، قال : يعتذر الله يوم
القيامة إلى آدم ثلاث معاذير ، يقول : يا آدم ، لولا أني لعنت الكاذبين ، وأبغض
الكذب والخلف ، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب ، ولكن حق القول
مني لمن كذب رسلي وعصى أمري ، لأملأن جهنم منهم أجمعين . ويا آدم ، اعلم أني لا
أعذب بالنار أحدا من ذريتك ، وأدخل النار أحدا منهم إلا من قد علمت في علمي أنه لو
رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه ، ولن يرجع . ويا آدم ، أنت اليوم عدل
بيني وبين ذريتك ، قم عند الميزان ، فانظر ما يرجع إليك من أعمالهم ، فمن رجح خيره
على شره مثقال ذرة فله الجنة ، حتى تعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم .
[ ص: 513 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن يوسف بن
الصباح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي
أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة قامت
ثلة من الناس ، يسدون الأفق ، نورهم كنور الشمس ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها كل
نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق ، نورهم كنور القمر
ليلة البدر ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها كل نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم
تقوم ثلة أخرى ، نورهم مثل كل كوكب في السماء ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها
كل نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم يجيء الرب تعالى ، فيقول : هذا لك مني يا محمد ، وهذا لك مني يا
محمد ثم يوضع الميزان ، ويؤخذ في الحساب "الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته
بحسنة أو بحسنات )
قال القرطبي وغيره : من ثقلت حسناته على سيئاته ، ولو بصؤابة
دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أثقل ولو بصؤابة دخل النار ، إلا أن يعفو الله سبحانه
عنه ، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف . وروي مثل هذا عن ابن مسعود ،
رضي الله عنه .
قلت : يشهد له قوله تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة
وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ النساء : 40 ] لكن ما الحكم فيمن
ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات؟ هل يدخل الجنة فيرتفع في [ ص: 517 ] درجاتها بجميع
حسناته ، وتكون قد أحبطت السيئات التي وازنتها وقابلتها؟ أو يرتفع بما بقي له من
الحسنات الراجحة على السيئات ، وتكون السيئات قد أسقطت ما وازنها من الحسنات ،
فأبطلتها؟ وكذلك إذا رجحت سيئاته على حسناته بسيئة أو بسيئات ، هل يعذب في النار
بجميع سيئاته ، أو بما رجح على حسناته من سيئاته—
أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات ) فأول ما يقضي
الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات ، قبل الإنس والجن ، وهما الثقلان ;
فالإنس ثقل والجن ثقل ، والدليل على حشر الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى : وما
من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من
شيء ثم إلى ربهم يحشرون [ الأنعام : 38 ] . وقال تعالى : وإذا الوحوش حشرت [
التكوير : 5 ] .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عباس بن محمد ،
وأبو يحيى البزاز ، قالا : حدثنا حجاج بن نصير ، حدثنا شعبة ، عن العوام بن مراجم
، من بني قيس بن ثعلبة ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجماء لتقص من القرناء يوم
القيامة " . وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة
: سمعت
العلاء يحدث عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [
ص: 12 ] " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من
الشاة القرناء تنطحها " . وهذا إسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجوه .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن
واصل ، عن يحيى بن عقيل ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقتص
للخلق بعضهم من بعض ، حتى للجماء من القرناء ، وحتى للذرة من الذرة " . تفرد به
أحمد .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت هذا الحديث في كتاب
أبي بخط يده : حدثنا عبيد الله بن محمد ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ليث ، عن عبد
الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل بن شرحبيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان جالسا وشاتان تعتلفان ، فنطحت إحداهما الأخرى ، فأجهضتها ، قال : فضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " عجبت لها ، والذي نفسي بيده
ليقادن لها يوم القيامة "
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ،
عن سليمان ، [ ص: 13 ] هو الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذر ،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ح ) وأبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن منذر بن
يعلى ، عن أشياخه ، عن أبي ذر ، فذكر معناه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى
شاتين تنتطحان ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تدري فيم تنتطحان ؟ " قال : لا
. قال
: " لكن الله تعالى يدري ، وسيقضي بينهما " . وهذا إسناد جيد حسن . قال القرطبي :
ورواه شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم ، بمثله .
قال القرطبي : وروى ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن
ثروان ، عن الهزيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاتين
تنتطحان ، فقال : " ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجلحاء من هذه القرناء " . قال :
وذكر ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة ، أن أبا سالم
الجيشاني حدثه أن ثابت بن طريف استأذن على أبي ذر ، فسمعه رافعا صوته يقول : أما
والله لولا يوم الخصومة لسوأتك . فدخلت ، فقلت : ما شأنك يا أبا ذر ؟ فقال : هذه .
قلت : وما عليك أن تضربها ؟ فقال : أما والذي نفسي بيده - أو قال : والذي نفس محمد
بيده - لتسألن الشاة فيم نطحت صاحبتها ، وليسألن الجماد فيم نكب أصبع الرجل .
[ ص: 14 ] وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ،
حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي
نفسي بيده ، إنه ليختصم الخلق يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا أبو
حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : " لا
ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله ،
أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة
على رقبته شاة لها ثغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا
، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا
رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين [ ص: 15 ] أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك
لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ،
فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم
يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك
لك شيئا ، قد أبلغتك " . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث أبي حيان ، واسمه يحيى
بن سعيد بن حيان التيمي ، به .
وتقدم في حديث أبي هريرة : " ما من صاحب إبل لا
يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، كلما مرت عليه
أخراها ردت عليه أولاها " . وذكر تمام الحديث في البقر والغنم . فهذه
الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها .
وتقدم في حديث الصور : " فيقضي الله تعالى بين خلقه
إلا الثقلين ; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم ، حتى إنه ليقيد الجماء من
ذات القرن ، حتى إذا فرغ الله من ذلك ، فلم يبق لواحدة تبعة عند أخرى ، قال الله
تعالى لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ ص: 16 ] [ النبأ
: 40 ] .
وقد قال ابن أبي الدنيا : حدثنا هارون بن عبد الله ،
حدثنا سيار ، أنبأنا جعفر بن سليمان : سمعت أبا عمران الجوني يقول : حدثت أن
البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله عز وجل ; صنفا
إلى الجنة ، وصنفا إلى النار ، أن البهائم تناديهم : الحمد لله يا بني آدم ، الذي
لم يجعلنا اليوم مثلكم ، فلا جنة نرجو ، ولا عقاب نخاف .
وذكر القرطبي ، عن أبي القاسم القشيري في " شرح
الأسماء الحسنى " عند قوله : المقسط الجامع . قال : وفي خبر الوحوش والبهائم
، تحشر يوم القيامة فتسجد لله سجدة ، فتقول الملائكة : ليس هذا يوم سجود ، هذا يوم
الثواب والعقاب . فتقول البهائم : هذا سجود شكر ; حيث لم يجعلنا الله ، عز وجل ،
من بني آدم . قال : ويقال : إن الملائكة تقول للبهائم : إن الله لم يحشركم لثواب ولا
لعقاب ، وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم .
وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا ، ثم يحثى
بها في وجوه فجرة بني آدم ، قال : وذلك قوله : ووجوه يومئذ عليها غبرة [ عبس : 40 ] . والله
سبحانه أعلم ، وفيما ذكره نظر .// أول ما يقضى بين الناس فيه يوم القيامة ومن
يناقش في الحساب ومن يسامح فيه
قد تقدم في الحديث : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم
القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء " . وفي حديث أبي هريرة : " وحتى
للذرة من الذرة " . والمراد بالذرة هاهنا النملة ، والله أعلم .
وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة ، فلتخليص
الحقوق من الآدميين والجان بعضهم من بعض يوم القيامة أولى وأحرى ، وقد ثبت في
" الصحيحين " ، و " مسند أحمد " ، و " سنن الترمذي " ، و " النسائي " ، و "
ابن ماجه " ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ،
عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يقضى
فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء "
.
وقد تقدم في حديث الصور أن المقتول يأتي يوم القيامة
تشخب أوداجه [ ص: 19 ] دما - وفي بعض الأحاديث : " ورأسه في يده " - فيتعلق
بالقاتل ، حتى ولو كان قتله في سبيل الله ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟
فيقول الله تعالى : لم قتلته ؟ فيقول : يا رب : قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله
تعالى : صدقت . ويقول المقتول ظلما : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول الله تعالى
: لم قتلته ؟ فيقول : قتلته لتكون العزة لي - وفي رواية : " لتكون العزة
لفلان " - فيقول الله تعالى : تعست . ثم يقتص منه لكل من قتله ظلما ، ثم يبقى
في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه . وهذا دليل على أن القاتل لا
يتعين عذابه في نار جهنم ، كما ينقل عن ابن عباس ، وغيره من السلف ، حتى نقل بعضهم
عنه : أن القاتل لا توبة له . وهذا إذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين - وهي لا تسقط
بالتوبة - صحيح ، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم ، بدليل حديث الذي
قتل تسعة وتسعين ، ثم أكمل المائة ، ثم سأل عالما من بني إسرائيل هل له من توبة ؟
فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ائت بلد كذا وكذا ، فإنه يعبد الله تعالى بها
فاعبد الله معهم . فلما توجه نحوها ، وتوسط بينها وبين التي خرج منها أدركه الموت
، فنأى بصدره نحو التي هاجر إليها ، فتوفته ملائكة الرحمة . الحديث بطوله ، وفي سورة "
الفرقان " نص [ ص: 20 ] على قبول توبة القاتل ، كما قال تعالى : والذين لا
يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن
يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب الآية
[ الفرقان : 68 - 70 ] والتي بعدها ، وموضع تقرير هذا في كتاب " الأحكام
" ، وبالله المستعان .
وقال الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أم
الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : يجيء المقتول يوم القيامة ، فيجلس على الجادة ،
فإذا مر به القاتل قام إليه ، فأخذ بتلابيبه فقال : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول
: أمرني فلان فيؤخذ الآمر والقاتل ، فيلقيان في النار . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لخراب السماوات والأرض - وفي رواية :
لزوال الدنيا - أهون على الله من قتل مؤمن " .
وقال في حديث الصور : " ثم يقضي الله تعالى بين
خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها منه ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن
بالماء ثم يبيعه ، أن يخلص اللبن من الماء " . وقد قال الله تعالى : ومن يغلل
يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ ص: 21 ] [ آل
عمران : 161 ] ، وفي " الصحيحين " عن سعيد بن زيد ، وغيره ، عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع
أرضين يوم القيامة " .
وفي " الصحيحين " : " من صور صورة في
الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ " ، وفي رواية : " إن أصحاب
هذه الصور يعذبون ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم " .
وفي " الصحيح : " من تحلم بحلم لم يره كلف يوم
القيامة أن يعقد بين شعيرتين ، وليس بفاعل " . وتقدم حديث أبي هريرة في أمر
الغلول ، وأن من غل شيئا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، وهو في " الصحيحين
" بطوله .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن بكار البصري ، ثنا
أبو محصن حصين بن نمير ، عن حسين بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عمر ، عن ابن مسعود ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى
يسأل عن [ ص: 22 ] خمس : عن عمرك فيما أفنيت ؟ وعن شبابك فيما أبليت ؟ وعن مالك ;
من أين اكتسبته ؟ وفيما أنفقته ؟ وما عملت فيما علمت " ؟ . وروى البيهقي من
طريق عبد الله بن المبارك ، عن شريك بن عبد الله ، عن هلال ، عن عبد الله بن عكيم
، قال : كان عبد الله بن مسعود إذا حدث بهذا الحديث قال : ما منكم من أحد إلا
سيخلو الله به ، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : يا عبدي ، ما غرك بي
؟ ماذا عملت فيما علمت ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟
هكذا أورده البيهقي بعد الحديث الذي رواه من طريق محل بن
خليفة ، عن عدي بن حاتم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وليقفن
أحدكم بين يدي الله ، عز وجل ، ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ، ولا ترجمان يترجم له ،
فيقول : ألم أوتك مالا ؟ فيقول : بلى . فيقول : ألم أرسل إليك رسولا ؟ فيقول : بلى . فينظر عن
يمينه فلا يرى إلا النار ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار ، فليتق أحدكم النار
ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة " وقد رواه البخاري في " صحيحه " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، وعفان ، قالا : حدثنا
همام ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : كنت آخذا بيد ابن عمر ، فجاءه رجل
فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ فقال : سمعت [ ص: 23 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله سبحانه يدني المؤمن ، فيضع
عليه كنفه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، فيقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف
ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك ، قال :
فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته
بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون ف ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا
لعنة الله على الظالمين [ هود : 18 ] وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث قتادة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان ، حدثنا حماد ،
حدثنا إسحاق بن عبد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : " يقول الله ، عز وجل ، يوم القيامة : يا ابن آدم ، حملتك على
الخيل ، والإبل ، وزوجتك النساء ، وجعلتك تربع وترأس ، فأين شكر ذلك " ؟ .
وروى مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي
هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه : " فيلقى الله
تعالى العبد فيقول : أي فل ، ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل
، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى ، أي رب . فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ [ ص: 24 ] فيقول :
لا . فيقول : فإني أنساك كما نسيتني . ثم يلقى الثاني ، فيقول : أي فل ، ألم
أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول :
بلى ، أي رب . فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : فإني أنساك كما
نسيتني . ثم يلقى الثالث ، فيقول له مثل ذلك ، فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك
وبرسولك ، وصليت وصمت وتصدقت . ويثني بخير ما استطاع ، فيقول : هاهنا إذا " . قال :
" ثم يقال : الآن نبعث شاهدنا عليك . فيفكر في نفسه : من الذي يشهد علي ؟
فيختم على فيه ، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي . فتنطق فخذه ولحمه وعظامه
بعمله كائنا ما كان ، وذلك ليعذر من نفسه ، وذلك المنافق ، وذلك الذي يسخط الله
عليه ، ثم ينادي مناد : تتبع كل أمة ما كانت تعبد " . وسيأتي الحديث بطوله .
وقد روى البزار عن عبد الله بن محمد الزهري ، عن مالك بن
سعير بن الخمس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، رفعاه إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله إلى قوله : " فاليوم أنساك كما
نسيتني " .
وروى مسلم ، والبيهقي واللفظ له ، من حديث سفيان الثوري
، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن عامر الشعبي ، عن أنس بن مالك ، [ ص: 25 ] قال :
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ، وقال : " هل تدرون مم أضحك
" ؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " من مخاطبة العبد ربه -
يعني يوم القيامة - يقول : يا رب ، ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى . قال : فيقول :
فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني . قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
، وبالكرام الكاتبين شهودا . قال : فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي . قال :
فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام . قال : فيقول : . بعدا لكن وسحقا ! فعنكن كنت أناضل " .
وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا الحسن ، حدثنا ابن
لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله ، فجحد ، وخاصم ، فيقال : هؤلاء جيرانك
يشهدون عليك . فيقول : كذبوا . فيقول : أهلك وعشيرتك . فيقول : كذبوا . فيقول : احلفوا .
فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد ألسنتهم ، ويدخلهم النار " .
وروى أحمد ، والبيهقي ، من حديث يزيد بن هارون ، عن
الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تجيئون
يوم القيامة على أفواهكم الفدام ، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفه " .
[ ص: 26 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن الوليد
بن أبان ، حدثنا محمد بن الحسن المخزومي ، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي ،
عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي أيوب ، رضي الله عنه ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته ،
والله ما يتكلم لسانها ، ولكن يداها ورجلاها ، يشهدان عليها بما كانت تغيب لزوجها
، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها ، ثم يدعى بالرجل وخدمه مثل ذلك ، ثم يدعى
بأهل الأسواق ، فما يؤخذ منهم دوانيق ولا قراريط ، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا
الذي ظلم ، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه ، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد ،
فيقال : سوقوهم إلى النار . فوالله ما أدري أيدخلونها ، أم كما قال الله تعالى :
وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين
فيها جثيا [ مريم : 71 ، 72 ]
" .
ثم قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا
محمد بن صالح والحسن بن يعقوب ، حدثنا السري بن خزيمة ، حدثنا عبد الله بن يزيد
المقرئ ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ،
عن أبي هريرة ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : يومئذ تحدث
أخبارها [ الزلزلة : 4 ] . قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " قالوا ؟ الله
ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على
ظهرها ; أن تقول : [ ص: 27 ] عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا . فذلك أخبارها " .
وقد رواه الترمذي والنسائي ، من حديث عبد الله بن
المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، به ، وقال الترمذي : حسن غريب صحيح .
وروى البيهقي من حديث الحسن البصري ، حدثنا صعصعة عم
الفرزدق ، أنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ هذه الآية
: فمن
يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] فقال : والله لا
أبالي أن لا أسمع غيرها ، حسبي حسبي
.
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا الحسن بن عيسى ،
حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا الوليد بن أبي الوليد أبو
عثمان المديني ، أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا حدثه أنه دخل المدينة ، فإذا هو
برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ فقالوا : أبو هريرة . فقال : فدنوت
منه ، حتى [ ص: 28 ] قعدت بين يديه وهو يحدث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت له : أنشدك بحق وحق
لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته . ثم نشغ
أبو هريرة نشغة ، فمكث طويلا ، ثم أفاق ، ثم قال : لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما معنا أحد غيري وغيره . ثم نشغ أبو هريرة
نشغة أخرى ، فمكث طويلا كذلك ، ثم أفاق ثم مسح وجهه ، فقال : أفعل ، لأحدثنك حديثا
حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما معنا أحد غيري وغيره . ثم
نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ، ثم مال خارا على وجهه ، وأسندته طويلا ، ثم أفاق ،
فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى إذا كان يوم
القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى رجل جمع
القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله تعالى للقارئ : ألم أعلمك ما
أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم
به آناء الليل ، وآناء النهار . فيقول الله تعالى له : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله
تعالى : إنما أردت أن يقال : فلان قارئ . فقد قيل ذلك . ويؤتى بصاحب المال ، فيقول
الله تعالى له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب . قال
: فما عملت فيما آتيتك ؟ قال . كنت [ ص: 29 ] أصل الرحم ، وأتصدق . فيقول الله له :
كذبت . وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله تعالى له : بل أردت أن يقال : فلان
جواد . فقد قيل ذلك .
ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله ، فيقال له : فيما قتلت ؟
فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة
: كذبت . ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان جريء . فقد قيل ذلك " .
قال أبو هريرة : ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : " يا
أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " .
قال الوليد أبو عثمان : فأخبرني عقبة أن شفيا - وكان
سيافا لمعاوية - دخل على معاوية ، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا ، فقال معاوية : قد
فعل بهؤلاء هذا ، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا ، حتى ظننا
أنه هالك ، ثم أفاق ، ومسح عن وجهه ، وقال : صدق الله ورسوله : من كان يريد الحياة
الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في
الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ هود : 15 ، 16 ] .
وهذا الحديث له شاهد صحيح في " صحيح مسلم " من طريق
أخرى عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ما تسعر النار يوم
القيامة بثلاثة ; بالعالم والمتصدق والمجاهد ، الذين أرادوا بأعمالهم الدنيا " .
[ ص: 30 ] وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا محمد بن عثمان
بن معبد ، أنبأنا محمد بن بكار بن بلال ، قاضي دمشق ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن
قتادة ، عن الحسن ، عن حريث بن قبيصة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : " أول ما يحاسب به الرجل صلاته ، فإن صلحت صلح سائر
عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله ، ثم يقول الله ، عز وجل : انظروا هل لعبدي نافلة ،
فإن كانت له نافلة أتمت بها الفريضة . ثم سائر الفرائض كذلك " . ورواه الترمذي والنسائي ، من
حديث همام ، عن قتادة . وقال الترمذي : حسن غريب .
ورواه النسائي أيضا ، من حديث عمران بن داود أبي العوام
، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المبارك - هو ابن فضالة -
عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أراه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن
العبد المملوك ليحاسب بصلاته ، فإذا نقص منها قيل : لم نقصت منها ؟ فيقول : يا رب
، سلطت علي مليكا شغلني عن صلاتي . فيقول : قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك ، فهلا
سرقت [ ص: 31 ] لنفسك من عملك ؟ - أو عمله ؟ - قال : فيتخذ الله عليه الحجة " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا مبارك
بن فضالة ، حدثنا الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما
تسأل عنه المرأة يوم القيامة ، عن صلاتها ، ثم عن بعلها ، كيف فعلت إليه ؟ " وهذا مرسل
جيد .
وقال أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد
بن راشد ، قال : حدثنا الحسن ، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : " تجيء الأعمال يوم القيامة ، فتجيء الصلاة فتقول : يا
رب ، أنا الصلاة . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الصدقة ، فتقول : يا رب ، أنا
الصدقة . فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام ، فيقول : يا رب ، أنا الصيام .
فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الأعمال ، كل ذلك يقول : إنك على خير . ثم يجيء
الإسلام فيقول : يا رب ، أنت السلام وأنا الإسلام . فيقول الله ، عز وجل : إنك على
خير ، بك اليوم آخذ ، وبك أعطي . قال الله تعالى في كتابه : ومن يبتغ غير الإسلام
دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ آل عمران : 85 ] .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي
، حدثنا بقية بن الوليد الكلاعي ، حدثنا سلمة بن كلثوم ، عن أنس بن مالك قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يؤتى بالحكام يوم القيامة ; بمن قصر ، وبمن
تعدى ، فيقول الله : [ ص: 32 ] أنتم خزان أرضي ، ورعاة غنمي ، وعندكم بغيتي .
فيقول للذي قصر : ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول : الرحمة . فيقول الله جل جلاله . :
أنت أرحم بعبادي مني ؟! ويقول للذي تعدى : ما حملك على ما صنعت ؟! فيقول : غضبت لك
. فيقول الله : أنت أشد غضبا مني ؟! فيقول الله : انطلقوا بهم ، فسدوا بهم ركنا من
أركان جهنم " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا
يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : لما رجعت مهاجرة
الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم
في أرض الحبشة ؟ " ، فقال فتية منهم : بلى يا رسول الله ، بينما نحن جلوس إذ
مرت علينا عجوز من عجائزهم ، تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم ، فجعل
إحدى يديه بين كتفيها ، ثم دفعها ، فخرت على ركبتيها ، وانكسرت قلتها ، فلما
ارتفعت التفتت إليه ، وقالت : سوف تعلم يا غدر ، إذا وضع الله الكرسي لفصل القضاء
، وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، سوف تعلم كيف
أمري وأمرك عنده غدا . قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت ،
كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم ؟ " .
[ ص: 33 ] وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس ، أن الله
تعالى ينادي العباد يوم القيامة ، فيقول : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد
من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة . وذكر الحديث كما تقدم
، رواه أحمد ، وعلقه البخاري في " صحيحه " .
وقال الإمام مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن
أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من كانت لأخيه
عنده مظلمة فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ، من قبل أن يؤخذ من حسناته
، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " . ورواه البخاري ،
ومسلم .
وروى ابن أبي الدنيا من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي
هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : من
لا درهم له ولا دينار . فقال : " بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة
بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ،
وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى
ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " .
[ ص: 34 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا الوليد بن شجاع
السكوني أنبأنا القاسم بن مالك المزني ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تموتن وعليك دين ; فإنه ليس ثم
دينار ولا درهم ، إنما هي الحسنات ، جزاء بجزاء ، ولا يظلم ربك أحدا " . وروي من
وجهين آخرين ، عن ابن عمر مرفوعا مثله
.
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا بكر
بن يونس بن بكير ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليأتي العبد يوم القيامة ، وقد
سرته حسناته ، فيجيء الرجل فيقول : يا رب ، ظلمني هذا ، فيؤخذ من حسناته ، فيجعل
في حسنات الذي سأله ، فما يزال كذلك حتى ما تبقى له حسنة ، فإذا جاء من يسأله ،
نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل ، فلا يزال يستوفى من حسناته ، وترد عليه
سيئات من ظلمه ، فما يزال يستوفى منه حتى يدخل النار " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا صدقة بن موسى ،
حدثنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : [ ص: 35 ] " الدواوين عند الله ، عز وجل ، ثلاثة : ديوان لا يعبأ
الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله ; فأما
الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك ، قال الله عز وجل : إنه من يشرك بالله فقد حرم
الله عليه الجنة [ المائدة : 72 ] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم
العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه ، أو صلاة تركها ، فإن الله يغفر
ذلك ، ويتجاوز إن شاء ، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد
بعضهم بعضا ، القصاص لا محالة
" .
وروى البيهقي من حديث زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد
النميري ، عن أنس مرفوعا : " الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفره الله ، وهو الشرك ،
وظلم يغفره ، وهو ظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وظلم لا يترك الله منه
شيئا ، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين بعضهم من بعض " . ثم ساقه من
طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس ، مرفوعا بنحوه ، وكلا الطريقين ضعيف .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبد الله تميم
بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن السائب
، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " القتل في
سبيل الله يكفر كل شيء - أو قال : يكفر الذنوب كلها - إلا الأمانة " . قال :
" يؤتى [ ص: 36 ] بصاحب الأمانة ، فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا
؟ فيقال : اذهبوا به إلى الهاوية . فيذهب به إليها ، فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها ،
فيجدها هناك كهيئتها ، فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها في نار جهنم ، حتى
إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت ، وهوى في إثرها ، فهو كذلك أبد الآبدين " . قال
: " والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة
في الحديث ، وأشد ذلك الودائع " . قال : فلقيت البراء ، فقلت : ألا تسمع إلى ما
يقول أخوك عبد الله ؟ قال : صدق
.
قال شريك : وحدثنا عباس العامري ، عن زاذان ، عن عبد
الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، ولم يذكر الأمانة في الصلاة ،
والأمانة في كل شيء . إسناده جيد ، ولم يروه أحمد ، ولا أحد من أصحاب الكتب الستة
، وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم . عن أبي سعيد ، أن رجلا قال : يا رسول الله
، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني
خطاياي ؟ قال : " نعم ، إلا الدين
" .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا محمد
بن عبيد ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن
الزبير ، قال : لما نزلت : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم
تختصمون [ الزمر : 30 ، 31 ] ، قال الزبير : يا رسول الله : أيكرر علينا ما [ ص: 37 ] يكون
بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ، ليكررن عليكم ، حتى تؤدوا
إلى كل ذي حق حقه " . فقالالزبير : والله إن الأمر لشديد .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا إسحاق
بن سليمان ، أخبرنا أبو سنان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن
مسعود ، قال : الأمم جاثون للحساب ، فلهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في
الدنيا ، الأب بابنه ، والابن بأبيه ، والأخت بأخيها ، والأخ بأخته ، والزوج
بامرأته ، والمرأة بزوجها . ثم تلا عبد الله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
[ المؤمنون
: 101 ] .
وقال أبو بكر البزار : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا سعيد
بن مسلمة ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى
بالمليك والمملوك ، والزوج والزوجة ، فيحاسب المليك والمملوك ، والزوج والزوجة ،
حتى يقال للرجل : شربت يوم كذا وكذا على لذة . ويقال للزوج : خطبت فلانة مع خطاب فزوجتكها وتركتهم
" . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني عمرو بن حبان مولى بني تميم ، حدثنا عبد بن
حميد ، عن إبراهيم بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يدعو العبد يوم القيامة ، فيذكره
ويعد عليه : دعوتني يوم كذا وكذا فأجبتك . [ ص: 38 ] حتى يعد عليه فيما يعد ;
وقلت : يا رب ، زوجني فلانة - ويسميها باسمها - فزوجناكها " . وروي من حديث ليث
بن أبي سليم ، عن أبي بردة ، عن عبد الله بن سلام ، موقوفا ، بنحوه .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا
عبد الوهاب بن عطاء ، حدثني الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العار ليلزم العبد يوم
القيامة ، حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى من العار . وإنه ليعلم ما
فيها من شدة العذاب " . وقد قال تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم [ التكاثر
: 8 ] .
وفي " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن التيهان من تلك الشاة التي ذبحت
له ، وأكلوا من الرطب ، وشربوا من ذلك الماء ، قال : " هذا من النعيم الذي
تسألون عنه " . أي عن القيام بشكره ، وماذا عملتم في مقابلة ذلك ، كما ورد في
الحديث : " أذيبوا طعامكم بذكر الله ، وبالصلاة ، ولا تناموا عليه ، فتقسو
قلوبكم " . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا وكيع ، أنبأنا
سفيان ، عن الأعمش ، عن ثابت - أو أبي ثابت - أن رجلا دخل مسجد [ ص: 39 ] دمشق ،
فقال : اللهم آنس وحشتي ، وارحم غربتي ، وارزقني جليسا صالحا . فسمعه أبو الدرداء
، فقال : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : " فمنهم ظالم لنفسه [ فاطر : 32 ] . قال : الظالم الذي يؤخذ منه
في مقامه ذلك ، وذلك الحزن والغم . ومنهم مقتصد . قال : يحاسب حسابا يسيرا . ومنهم
سابق بالخيرات . قال : يدخل الجنة بغير حساب " . وستأتي الأحاديث فيمن يدخل
الجنة بغير حساب ، وكم عدتهم
وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب بن عبد
الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك
عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل
الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم بكل [ ص: 51 ] الذي عند
الله من العذاب لم يأمن من النار " . انفرد به البخاري من هذا الوجه .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو غريب ، وأحمد بن سنان ،
قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله ، يوم خلق السماوات والأرض مائة
رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة ، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها
على بعض ، والطير ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة
أكملها الله بهذه الرحمة " . انفرد به ، وهو على شرط " الصحيحين " .
ثم أورد ابن ماجه ما أخرجاه في " الصحيحين " من طرق عن
أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا يوم خلق
السماوات والأرض : إن رحمتي تغلب غضبي " . وفي رواية : " سبقت غضبي " . وفي رواية
: " فهو موضوع عنده على العرش
" . وفي رواية : " فوق العرش " . وكلها
روايات صحيحة .
وقد قال تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] . وقال :
ورحمتي وسعت كل شيء الآية : [ الأعراف : 156 ] . ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما [
غافر : 7 ] . هذا إخبار من الملائكة عن الله سبحانه أنه وسع كل شيء رحمة وعلما .
وقال : فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ ص: 52
] [ الأنعام : 147 ] .
ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ،
عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال له : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله
على عباده ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا
به شيئا " . ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟
أن لا يعذبهم " . وهو ثابت في " صحيح البخاري " ، من طريق الأسود
بن هلال ، وأنس بن مالك ، عن معاذ
.
وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد
بن الحباب ، حدثنا سهيل بن عبد الله ، أخو حزم القطعي ، حدثنا ثابت البناني ، عن
أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ - أو تلا - هذه الآية : هو أهل
التقوى وأهل المغفرة [ المدثر : 56 ] . قال : " قال الله تعالى : أنا أهل أن
أتقى فلا يجعل معي إله آخر ، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له " .
وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إبراهيم بن
أعين ، حدثنا إسماعيل بن يحيى الشيباني ، عن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع ،
عن ابن عمر ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فمر بقوم
فقال : " من القوم ؟ " قالوا : نحن المسلمون . وامرأة تحصب تنورها ،
ومعها ابن لها ، فإذا ارتفع وهج [ ص: 53 ] التنور تنحت به ، فأتت النبي صلى الله
عليه وسلم فقالت : أنت رسول الله ؟ قال : " نعم " . قالت : بأبي أنت
وأمي ، أليس الله بأرحم الراحمين ؟ قال : " بلى " . قالت : أوليس الله
أرحم بعباده من الأم بولدها ؟ قال : " بلى " . قالت : إن الأم لا تلقي
ولدها في النار . فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، ثم رفع رأسه إليها ،
فقال : " إن الله ، عز وجل ، لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد ،
الذي يتمرد على الله ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله " . إسناده فيه ضعف ،
وسياقه فيه غرابة .
وقد قال تعالى : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى [ الليل : 15 ، 16
] . وقال تعالى : فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى [ القيامة : 31 ، 32 ] .
وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان
، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قدم على النبي
صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى ، فإذا وجدت
صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه
وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا ، وهي تقدر على
أن لا تطرحه . فقال : " لله [ ص: 54 ] أرحم بعباده من هذه بولدها " .
ورواه مسلم عن حسن الحلواني ، ومحمد بن سهل بن عسكر ،
كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن أبي غسان محمد بن مطرف ، به . وفي رواية : " والله
لله أرحم بعباده من هذه بولدها
" .
ثم قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ،
حدثنا عمرو بن هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن سعيد المقبري ،
عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار
إلا شقي " . قيل : يا رسول الله ، ومن الشقي ؟ قال : " من لم يعمل لله
بطاعة ، ولم يترك له معصية " . وفى إسناده ضعف أيضا .
وفى " صحيح مسلم " من حديث أبي بردة بن أبي
موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم
القيامة دفع الله عز وجل ، إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك
من النار " . وفي رواية : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه إلى
النار يهوديا أو نصرانيا " . قال : [ ص: 55 ] فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا
بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات ، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، قال : فحلف له .
وفي رواية لمسلم أيضا ، قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها
الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى
" .
وقال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا عبد
الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد صلى الله عليه
وسلم في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ، قد جعلنا عدتكم
فداءكم من النار " .
وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ،
حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن
إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي
نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده
ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم
القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه //ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف
الحساب وما إليه أمرهم يصير ; ففريق في الجنة وفريق في السعير
قال الله تعالى : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم
في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ
يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا
وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ الروم : 14 - 16 ] . وقال
تعالى : فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون
[ الروم
: 43 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون الآيات إلى قوله :
وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين [ ص: 71 ] [
الجاثية : 27 - 31 ] إلى آخر السورة . وقال تعالى : ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم
بما يفعلون وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا [ الزمر : 70 ، 71 ] الآيات إلى آخر
السورة ، وذكر أن هؤلاء سيقوا إلى الجنة ، وهؤلاء سيقوا إلى جهنم ، بعد موقف
الحساب وانصرافهم عنه . وقال تعالى : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي
وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت
السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة
خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ [ هود 105 - 108 ] . وقال
تعالى : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير [ الشورى : 7 ]
. وقال تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا
يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز
العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير [
التغابن : 9 ، 10 ] . وقال تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق
المجرمين إلى جهنم وردا [ مريم : 85 ، 86 ] . وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود
وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون [ آل عمران : 106 ، 107
] .
والآيات في هذا كثيرة جدا ، ولنذكر من الأحاديث ما يناسب
هذا المقام ، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل ، وسنشير إليها .
[ ص: 72 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن عثمان
العجلي ، حدثنا أبو أسامة ، عن مالك بن مغول ، عن القاسم بن الوليد ، في قوله
تعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى [ النازعات : 34 ] . قال : حين سيق أهل الجنة إلى
الجنة ، وأهل النار إلى النار .
إيراد الأحاديث في ذلك : قال البخاري : حدثنا أبو اليمان
، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد ، أن أبا هريرة أخبرهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم ( ح ) . وحدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر
، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة ، قال : قال أناس : يا رسول
الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : " هل تضارون في الشمس ليس دونها
سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " هل تضارون في القمر ليلة
البدر ، ليس دونه سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فإنكم
ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه .
فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان
يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير
الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا
حتى يأتينا ربنا ، فإذا [ ص: 73 ] جاء ربنا عرفناه . فيأتيهم الله في الصورة التي
يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا . فيتبعونه ، ويضرب جسر جهنم
" . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يجيز . ودعاء الرسل
يومئذ : اللهم سلم سلم . وفيه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك السعدان ؟
" قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال : " فإنها مثل شوك السعدان ، غير
أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل ، فتخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق
بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده ، وأراد
أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر
الملائكة أن يخرجوهم ، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ، وحرم الله على النار أن
تأكل من ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء ، يقال له :
ماء الحياة . فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار
، فيقول : يا رب ، قد قشبني ريحها ، وأحرقني ذكاؤها ، فاصرف وجهي عن النار . فلا
يزال يدعو الله ، فيقول : لعلك إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك لا
أسألك غيره . فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يا [ ص: 74 ] رب ، قربني إلى
باب الجنة . فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك ! يا بن آدم ، ما
أغدرك ! فلا يزال يدعو ، فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك ، لا
أسألك غيره . فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة
، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم يقول : رب ، أدخلني الجنة .
فيقول : أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا بن آدم ، ما أغدرك ! . فيقول :
يا رب ، لا تجعلني أشقى خلقك . فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه ، فإذا ضحك
منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمن من كذا . فيتمنى ، ثم يقال
له : تمن من كذا . فيتمنى ، حتى تنقطع به الأماني ، فيقول : هذا لك ، ومثله معه " . قال أبو
هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا . قال : وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي
هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه ، حتى إذا انتهى إلى قوله : " هذا لك ومثله
معه " . قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هذا
لك وعشرة أمثاله " . قال أبو هريرة : ما حفظت إلا : " ومثله معه " .
وهكذا رواه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد ، عن الزهري
، به ، وزاد : فقال أبو سعيد : أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله : " ذلك لك وعشرة أمثاله " ، وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما
لم يحفظه أبو هريرة ، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إثبات أبي سعيد ، لما معه من
زيادة الثقة المقبولة ، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة ، كابن مسعود ، كما
سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى
.
[ ص: 75 ] وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا
الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد ، عن عطاء بن يسار ، عن
أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا ؟ قال : " هل
تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ؟ " قلنا : لا . قال : " فإنكم لا
تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيتهما " . قال : " ثم ينادي
مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون . فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب
الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد
الله من بر أو فاجر ، وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ،
فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ; لم يكن
لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا . قال : فيقال : اشربوا
. فيتساقطون في جهنم ، ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح
ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد . فيقال : ما تريدون ؟ فيقولون : نريد
أن تسقينا . فيقال : اشربوا . فيتساقطون فيها حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من
بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يجلسكم وقد ذهب الناس ؟! فيقولون : إن لنا إلها كنا
نعبده ، فارقنا الناس ، ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق
كل قوم بما كانوا [ ص: 76 ] يعبدون . وإنا ننتظر ربنا ، عز وجل " . قال :
" فيأتيهم الجبار ، سبحانه ، في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ،
فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ؟ ولا يكلمه يومئذ إلا الأنبياء ، فيقال :
هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها ؟ فيقولون : الساق . فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ،
ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم
يؤتى بالجسر ، فيجعل بين ظهري جهنم
" . قلنا : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال :
" مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف ، وكلاليب ، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة تكون
بنجد ، يقال لها : السعدان . المؤمن عليها كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد
الخيل ، والركاب ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم
يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم ، من المؤمنين يومئذ
للجبار ، إذا رأوا أنهم قد نجوا ، في إخوانهم ، يقولون : ربنا ، إخواننا كانوا
يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويعملون معنا . فيقول الله تعالى : اذهبوا ، فمن
وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوهم . ويحرم الله صورهم على النار ،
فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه ، وإلى أنصاف ساقه ، فيخرجون من عرفوا
، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه . فيخرجون
من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول :
اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه .
[ ص: 77 ] فيخرجون من عرفوا " . قال أبو سعيد : فإن لم تصدقوني فاقرءوا : إن
الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها [ النساء : 4 ] . " فيشفع
النبيون ، والملائكة ، والمؤمنون ، فيقول الجبار ، عز وجل : بقيت شفاعتي . فيقبض
قبضة ، فيخرج أقواما قد امتحشوا ، فيلقون في نهر بأفواه الجنة ، يقال له : نهر
الحياة . فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ، قد رأيتموها إلى جانب
الصخرة ، وإلى جانب الشجرة ، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر ، وما كان منها إلى
الظل كان أبيض ، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ ، فيجعل في رقابهم الخواتيم ، فيدخلون الجنة
، فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير
قدموه . فيقال لهم : لكم ما رأيتم ومثله معه " .
وقال مسلم : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، وإسحاق بن
منصور ، كلاهما عن روح ، قال عبيد الله : حدثنا روح بن عبادة القيسي ، حدثنا ابن
جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود ، فقال : نجيء نحن يوم
القيامة عن كذا وكذا - انظر : أي ذلك فوق الناس - قال : فتدعى الأمم [ ص: 78 ] بأوثانها
وما كانت تعبد ، الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟
فيقولون : ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : حتى ننظر إليك . فيتجلى لهم
يضحك ، قال : فينطلق بهم ، ويتبعونه ، ويعطى كل إنسان منهم ; منافق أو مؤمن نورا ، ثم يتبعونه ،
وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو
المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، سبعون ألفا لا يحاسبون ، ثم
الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحل الشفاعة ، فيشفعون ، حتى يخرج
من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ،
فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء
في السيل ، ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا ، وعشرة أمثالها معها .
وقال مسلم : حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي ، حدثنا
محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك
، عن ربعي ، عن حذيفة ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع
الله سبحانه الناس ، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة ، فيأتون آدم ، فيقولون :
يا أبانا ، استفتح لنا الجنة . فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم
؟! لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله " . قال : " فيقول
إبراهيم : لست [ ص: 79 ] بصاحب ذلك ، إنما كنت خليلا من وراء وراء ، اعمدوا إلى
موسى الذي كلمه الله تكليما . فيأتون موسى . فيقول : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى
عيسى كلمة الله وروحه . فيقول عيسى : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى محمد . فيأتون محمدا صلى
الله عليه وسلم ، فيقوم ويؤذن له ، وترسل الأمانة والرحم ، فيقومان جنبتي الصراط
يمينا وشمالا ، فيمر أولكم كالبرق " . قال : قلت : بأبي أنت وأمي ، أي شيء
كمر البرق ؟ قال : " ألم تروا إلى البرق ، كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم
كمر الريح ، ثم كمر الطير ، وشد الرجال ، تجري بهم أعمالهم ، ونبيكم قائم على
الصراط ، يقول : رب ، سلم سلم . حتى تعجز أعمال العباد ، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع
السير إلا زحفا " . قال : " وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة ،
تأخذ من أمرت به ، فمخدوش ناج ، ومكدوس في النار " . والذي نفس أبي هريرة
بيده ، إن قعر جهنم لسبعون خريفا
.
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عفان بن
مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمارة القرشي ، عن أبي بردة ، عن
أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الله
تعالى الأمم في صعيد واحد ، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا
يعبدون ، فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع ،
فيقول : ما أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون . فيقول : ما تنتظرون ؟ فنقول : ننتظر
ربنا . فيقول : هل تعرفونه [ ص: 80 ] إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم . فيقول : وكيف
تعرفونه ولم تروه ؟ فنقول : إنه لا عدل له . فيتجلى لنا ضاحكا ، فيقول : أبشروا
معشر المسلمين ; فإنه ليس منكم أحد إلا قد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا " .
وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الصمد وعفان ، عن حماد
بن سلمة ، به مثله ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه ، ولكن روى مسلم
من حديث سعيد بن أبي بردة وعون بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي بردة ، عن أبيه أبي
موسى الأشعري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يموت رجل
مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا //( ورود الناس جميعهم جهنم )
قال الله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم
حول جهنم جثيا الآيات إلى قوله : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [
ص: 92 ] [ مريم : 68 - 72 ] . أقسم سبحانه بنفسه الكريمة أنه سيجمع بني آدم ممن
كان يطيع الشياطين ويعبدها مع الله ، عز وجل ، ويطيعها فيما تأمره به من معاصي
الله عز وجل ، فإن طاعة الشياطين هي عبادتها ، فإذا كان يوم القيامة جمع الشياطين
ومن أطاعهم وأحضرهم حول جهنم جثيا ، أي جلوسا على الركب ، كما قال تعالى : وترى كل
أمة جاثية [ الجاثية : 28 ] .
وعن ابن مسعود : قياما . وهم يعاينون هولها ، وبشاعة
منظرها ، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة ، كما قال تعالى : ورأى المجرمون النار
فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [ الكهف : 53 ] وقال تعالى : ترى
الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم [ الشورى : 22 ] . وقال : إذا رأتهم من
مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا إلى قوله : كان على ربك وعدا مسئولا [ الفرقان :
12 - 16 ] . وقال تعالى : لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين [ التكاثر : 6 ، 7 ] .
ثم أقسم تعالى أن الخلق كلهم سيردون جهنم ، فقال : وإن منكم إلا
واردها كان على ربك حتما مقضيا [ مريم : 71 ] ، قال ابن مسعود : قسما واجبا .
وفى " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن سعيد بن
المسيب ، عن أبي [ ص: 93 ] هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات
له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم " .
وروى الإمام أحمد ، عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن زبان بن
فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حرس من
وراء المسلمين متطوعا لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله
تعالى : وإن منكم إلا واردها وذكر تمام الحديث .
وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود ما هو ، والأظهر ،
كما قررناه في " التفسير " ، أنه المرور على الصراط . والله أعلم . كما
قال تعالى : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 72 ] .
وقال مجاهد : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : وإن منكم إلا
واردها . وقد روى ابن جرير في " تفسيره " حديثا يشبه هذا ، فقال : حدثني
عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ،
حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعكا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله
[ ص: 94 ] يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة
" . وهذا إسناد حسن .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن
السدي ، عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود : وإن منكم إلا واردها . قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس النار كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم
" .
وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل ، عن السدي ، به ،
مرفوعا ، ثم رواه من حديث شعبة ، عن السدي به ، فوقفه ، وهكذا رواه أسباط عن السدي
، عن مرة ، عن ابن مسعود ، قال : يرد الناس جميعا الصراط ، وورودهم قيامهم حول
النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر كمر البرق ، ومنهم من يمر
مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر
كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضعي
إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ به الصراط ، والصراط دحض مزلة ، عليه حسك كحسك القتاد ،
حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . وله
شواهد مما مضى ، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى .
[ ص: 95 ] وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي
الزعراء ، عن ابن مسعود ، قال : يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم ، فيمر الناس
عليه على قدر أعمالهم ; أولهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كأسرع البهائم ، ثم
كذلك ، حتى يمر الرجل سعيا ، حتى يمر الرجل ماشيا ، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه
، ثم يقول : يا رب ، لم أبطأت بي ؟ فيقول : لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك .
وروي نحوه من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ، والموقوف
أصح . والله أعلم .
وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب " الإبانة " : أخبرنا
محمد بن محمد بن الحجاج ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي ، حدثنا علي بن الحسين
، أبو عبيد ، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا
أبو همام القرشي ، عن سليمان بن المغيرة ، عن قيس بن مسلم ، عن طاوس ، عن أبي
هريرة ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علم الناس سنتي وإن
كرهوا ذلك ، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل [ ص: 96 ] الجنة
فلا تحدثن في دين الله حدثا برأيك " . ثم قال : وهذا غريب الإسناد ، والمتن
حسن . أورده القرطبي .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار
بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان ، قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا
الورود على النار ؟! فيقال : قد مررتم عليها وهى خامدة .
وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول ، قاله ابن
عباس ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو ميسرة ، وغير واحد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا غالب بن
سليمان ، عن كثير بن زياد البرساني ، عن أبي سمية ، قال : اختلفنا في الورود ،
فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضنا : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين
اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله ، فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعا -
وقال سليمان مرة : يدخلونها جميعا . وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صمتا إن لم
أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا
دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا
من بردهم ; ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 72 ] . لم
يخرجوه في كتبهم ، وهو حسن .
[ ص: 97 ] وقال أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد ، حدثنا
أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي ، حدثنا أبو عبد الله محمد
بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي، حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، حدثني أبي منصور
بن عمار ، حدثني بشير بن طلحة الجذامي ، عن خالد بن دريك ، عن يعلى بن منية ، عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جز يا
مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي " . وهذا حديث غريب جدا .
وقال ابن المبارك " ، عن سفيان ، عن رجل ، عن خالد
بن معدان ، قال : قالوا : ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم مررتم
عليها وهي خامدة .
وفي رواية عن خالد بن معدان ، قال : إذا دخل أهل الجنة
الجنة قالوا : ألم يقل ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم وردتموها فألفيتموها
رمادا .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن
الجريري ، عن أبي [ ص: 98 ] السليل ، عن غنيم بن قيس ، قال : ذكروا ورود النار ،
فقال كعب : تمسك النار للناس كأنها متن إهالة ، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ،
برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي . قال : فتخسف بكل
ولي لها ، فلهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم وروي مثله
أيضا عنه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن
أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة ، قالت : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية
" . قالت حفصة : أليس الله عز وجل ، يقول : وإن منكم إلا واردها قالت : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمه ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين
فيها جثيا ورواه الإمام أحمد أيضا ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ،
عن جابر ، عن أم مبشر ، عن حفصة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، سمع
جابرا ، عن أم مبشر ، فذكر نحوه ، وقد تقدم ، وسيأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز
[ ص:
99 ] المؤمنين على الصراط ، وتفاوت سيرهم عليه ، بحسب أعمالهم ، وقد تقدم من ذلك
جانب ، وتقدم عنه ، عليه السلام ، أنه أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط .
وعن عبد الله بن سلام قال : محمد صلى الله عليه وسلم أول
الرسل إجازة على الصراط ، ثم عيسى ، ثم موسى ، ثم إبراهيم ، حتى يكون آخرهم إجازة
نوح ، عليه السلام . قال : فإذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة يهدونهم إلى
الجنة ، فإنهم إذا خلصوا من الصراط وأتوا على آخره ، فليس بعد ذلك إلا دخول الجنة
. كما سيأتي .
وثبت في " الصحيح " : " من أنفق زوجين في
سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله ، هذا خير . فمن كان من أهل الصلاة دعي
من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة ، ومن كان من أهل الصيام
دعي من باب الريان " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على أحد يدعى من
أيها شاء من ضرورة ، فهل يدعى أحد منها كلها ؟ قال ؟ " نعم ، وأرجو أن تكون
منهم يا أبا بكر ، فإذا دخلوا الجنة هدوا إلى منازلهم ، فلهم أعرف بها من منازلهم
التي كانت في الدنيا " . كما سيأتي بيانه في " الصحيح " عند
البخاري .
وقد قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن
عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عطاء بن يسار
، عن [ ص: 100 ] سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل
الجنة أحد إلا بجواز ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ،
أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية
" .
وقد رواه الحافظ الضياء ، من طريق سليمان التيمي ، عن
أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعطى
المؤمن جوازا على الصراط ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله العزيز
الحكيم لفلان ابن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية " .
وقد روى الترمذي في " جامعه " ، عن المغيرة بن
شعبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شعار المؤمن على الصراط ،
رب سلم سلم " . ثم قال : غريب
.
وفى " صحيح مسلم " : " ونبيكم يقول : رب سلم سلم
" . وتقدم أن الأنبياء كلهم يقولون ذلك ، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك .
وثبت في " صحيح البخاري " من حديث قتادة ، عن
أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم
مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ، فلأحدهم
أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا " .
[ ص: 101 ] وقد تكلم القرطبي على هذا الحديث في " التذكرة
" ، وجعل هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة ، وليس يسقط منه أحد في
النار . قلت : هذه القنطرة تكون بعد مجاوزة النار ، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة
على هول آخر مما يعلمه الله ، ولا نعلمه نحن . والله أعلم .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا صالح
بن موسى ، عن ليث ، عن عثمان ، عن محمد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة للمؤمنين : جوزوا النار
بعفوي ، وادخلوا الجنة برحمتي ، فاقتسموها بفضائل أعمالكم " . وهذا حديث غريب
- أول
زمرة تدخل الجنة (اللهم اجعلنا منهم ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا
معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة
تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون فيها ،
ولا يتغوطون فيها ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم من الألوة ، ورشحهم
المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم ; من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض
، قلوبهم على قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا " .
وهكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ،
وأخرجه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك ، كلاهما عن معمر ، به .
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن
عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين
يلونهم على صورة أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا
يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم
الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في
السماء " ورواه مسلم عن أبي خيثمة ، واتفقا عليه ، من حديث جرير .
وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، واللفظ له ، من حديث
حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، [ ص: 112 ] قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا ، بيضا
جعادا مكحلين ، أبناء ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم ; ستون ذراعا في عرض سبعة
أذرع " .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن إسماعيل العدوي ، حدثنا
عمرو بن مرزوق ، أنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن
غنم ، عن معاذ بن جبل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل أهل الجنة
الجنة جردا ، مردا ، مكحلين بني ثلاث وثلاثين " . ورواه الترمذي من حديث
عمران بن داود القطان ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا القاسم بن هاشم ،
حدثنا صفوان بن صالح ، حدثني رواد بن جراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون
بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل
أهل الجنة الجنة على طول آدم ; ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى
ميلاد عيسى ، ثلاث وثلاثين سنة ، وعلى لسان محمد ، جرد مرد مكحلون " .
وقد رواه أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا محمود بن خالد
وعباس بن الوليد ، [ ص: 113 ] قالا : حدثنا عمر ، عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب
، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يبعث أهل الجنة
على صورة آدم ، في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة ، جردا مردا مكحلين ، ثم يذهب بهم إلى
شجرة في الجنة ، فيكسون منها ، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم " .
وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا سليمان بن داود ،
حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم
، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من
أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين سنة في الجنة ، لا يزيدون عليها
أبدا ، وكذلك أهل النار "
.
ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن
رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، فذكره . والله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف
العجلي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ ، قال : [ ص: 114 ] قال
نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث المؤمنون يوم القيامة جردا مردا مكحلين
بني ثلاث وثلاثين . وهذا منقطع بين شهر ومعاذ انقطاعا لو كان ساقه لكانت أبعد من
شهر ، وهو يفهم بعثهم من قبورهم كذلك ، وقد تقدم أن كل أحد يبعث على ما مات عليه ،
ثم تغير حلاهم إلى الطول والعرض ، كل أحد بحسبه بعد ذلك عند دخول الجنة والنار ،
على ما سيأتي إن شاء الله تعالى
. [ -
أول زمرة تدخل الجنة (اللهم اجعلنا منهم )
صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ،
لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله
سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار
قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ] . والمنقطع ولو
بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد [ ص :
54 ] . والمنقطع ينفد ، وقال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] .
فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان
ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع .
قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر
الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل الأول ; لأن ما ينقطع محسوب مقدر ،
بخلاف ما لا نهاية له .
-وتجهز ارض المحشر حيث تستبدل الارض الحالية بعد دكها
بارض جديدة لم يطؤها احد ، قال صلى الله عليه وسلم :فى حديث سهل بن سعد : يحشر
الناس يوم القيامة على ارض بيضاء عفراء كالقرص النقى ليس فيها علم لاحد مسلم (8/127) - وفى حديث
ابى سعيد الخدرى قال : (ص) : تكون الارض يوم القيامة خبزه واحدة يكفؤها الجبار
بيده كما يكفـأ احدكم خبزته فى السفر] مسلم (8/129) [ - ثم يحى الله اسرافيل فيبعث
ويامره بالتقام الصور ( القرن) والنفخ فيه ، بعد ان تنبت اجساد العباد وتجمع
اشلاؤها قال رسول الله(ص) (مسلم8/90) مابين النفختين اربعون ......... ثم ينزل الله من السماء ماءً
فينبتون كما ينبت البقل قال الله تعالى فإنما هى زجرة واحدة)( فاذاهم قيام ينظرون
)(19/الصافات) (ونفخ فى السور فجمعناهم جمعا )(99/الكهف) (ونفخ فى السور فاذاهم من
الاجداث الى ربهم ينسلون)(51/يس) (ونفخ فى الصورفصعق من فى السماوات و من فى الارض
إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذاهم قيام ينظرون ) الزمر "
(إنه هو يبدىء ويعيد) "البروج "
(إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر ) "الطارق "
" ونفخ فى الصور ذلك يوم الوعيد " "ق "
(ويوم ينفخ فى الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا يتخافتون
بينهم إن لبثتم إلا عشرا ) /طه
"
(ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السماوات ومن فى الأرض
إلامن شاء الله وكل أتوه داخرين )/النمل"
" يوم ينفخ فى الصور فتأتون أفواجا " "النبا "
"إن كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم جميع لدينا محضرون
" "يس "
(يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير )ق"
ونلخص ما سبق حيث يأمرالله تعالى إسرافيل بأن ينفخ فى
الصور (نفخة الصعق الأولى ) فيصعق كل حي في السماوات والأرض إلا من شاء الله وهم
على الأرجح حملة عرش الرحمن ومنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت
ثم يأمر الله تعالى أن يقبض أرواح الملائكة هؤلاء
فيموتون ولايبقى إلا الجبار سبحانه وملك الموت فيبتدره الله تعالى فيقول له : أنت
خلق من خلقى خلقتك لما أردت فمت فيموت ولايبقى إلا الله تعالى الملك الجبار ثم
يطوي السماوات بيده اليمني والأرضين بشماله ثم يقول :
أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون لمن الملك اليوم
لله الواحد القهار ثم ينزل الله تعالي مطرا من السماء كالطل تنبت منه أجساد
الخلائق جميعها مخلوقة فى قبورها ( الأجداث ) لكن بدون روح ثم يحي الله إسرافيل
فيأمره أن ينفخ في قرنه فيقومون فينظرون وكلهم يتكلم ثم يصيح إسرافيل ويناديهم إن
الله يأمركم أن تجتمعوا للفصل فتلك هي الصيحة الأولي
فإسرافيل عليه فرضين :
الأول هوالنفخ فى الصور نفخة البعث فينزل مطر كالطل يجمع
به الأشلاء المتفرقة وتصحوالعظام النخرة وتكسي لحما وجلدا ودما وعروقا فتنبت
أجسادا كما تنبت البقلة وتردإلى هذه الأجساد أرواحها فيقومون ينظرون ويدب إليهم
أول الإدراك فيجدون أنهم بعثوا من مرقدهم فيتسا ئلون : من بعثنا من مرقدنا ؟ وهم
في ذلك لا يعرفون ماذا يفعلون
الثاني : هو النداء والصياح ، فينادي كل الخلائق أن هلمو
إلى فصل القضاء (إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء )
- فتلك هي الصيحة التالية للنفخ في الصور.
قال الله تعالي (ونفخ في الصور فإذاهم من الأجداث إلا
ربهم ينسلون قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إن
كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم جميع لدينا محضرون ) /يس
إذن فسيقوم الخلق جميعا بإذن ربهم بعد نفخة البعث فتراهم
-- يخرجون من القبور كالجراد المنتشرأي الذي يسير وينتشر دون أن يطير كل يسير بغير
غاية لا يعرفون أين يتوجهون وتصدر تعليقات كلامية مختلفة فبعض قول الكافرين :
قالو ياويلنا من بعثنا من مرقدتا
ويقول غيرهم (هذا ماوعد الرحمن وصدق المرسلون )
وتراهم يخرجون من الأجداث لا يكاد العاد أن يحصيهم فكلما
قال امتنعوا خرجواوكلما ظن أنهم توقفوا عن الخروج من قبورهم ازداد تناسلهم وكلما
ارتدت الحياة لميت قام فزعا ينظر ،
وكل من يخرج من قبره يقوم مسرعا كأنه إلى صنمه يسرع كما
كان في الدنيا
وحال اهل الكفر حين خروجهم من القبور عيونهم ذليلة خاشعة
يغشاها مهانة ،ومذلة، حتي تبدوأشكالهم مرهقة متعبة من الذل ( داخرين )
والجميع قد قام من مرقده وجميع الخلائق ينظرون لايعرفون
إلى أين يتجهون ، فمنهم الفزع ، ومنهم المسرع يجري ولكن لغير غاية وجميعهم ينتشرون
في أي إتجاه ثم يصيح إسرافيل أي ينادى الخلائق بالتوجه إلي حيث ربهم للقضاء
والحساب ، وحينئذ تتحدد غاياتهم في غاية ، وتشخص أبصارهم إلي نهاية، فيأتون ربهم
أفواجا ،ويأتون إليه داخرين – أي صاغرين أذلة - ويجتمعون في محشر واحد لا يتخلف
منهم أحد ولايهرب ولا يغادر أحد
فإذا كان يوم القيامة أو هو الصاخة أو الطامة الكبري أو
الغاشية أوالقارعة أو يوم الفصل لاأو الواقعة أويوم الازفة أو يوم التلاق أو يوم
التناد أو يوم الدين أو يوم التغابن أو يوم الجمع *********
مقدار يوم القيامة
قال الله تعالى : ( تعرج الملائكة والروح إليه في يوم
كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا)/المعارج
4-7
وقال تعالي (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون )
فيدعي الخلائق للقيام ليقضي الله تعالي بينهم بالحق
فيقيم العدل ويرفع القسط وينصب الموازين - فإذاجاء قضي بينهم بالحق وخسرهنا لك
المبطلون – (78/-غافر)
(وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لايظلمون
) 69/ الزمر
(وليبينن لكم يوم القيامة ماكنتم فيه تختلفون ) 62/ النحل
(وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون) 111/ النحل
( ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم
تعملون ) 105/ التوبة
(والوزن يومئذ الحق ) 8/ الأعراف
يبدأ يوم القيامة بنفخة البعث وهي نفخة يعقبها نداء
الملك للخلائق بالقيام للحساب وعرض الأعمال أمام الد يان رب العالمين
ويعتبر الناس هذه الدعوي شيء نكر(يقول الكافرون هذا شىء
نكر) ويقومون وهم فزعون ولا يفوت منهم أحدفيقوم الناس مسرعين (مهطعين) إلي الداع
ويعي الناس ما هو الخطب فيقول الكافرون (هذا يوم عسر) ويقول اخرون : (يا ويلنا من
بعثنا من مرقدنا )؟
ويقوم الناس جميعا من مرقدهم ينظرون ف (يخرجون من
الأجداث سراعا كأنعم جراد منتشر) أو( كانهم إلي نصب يوفضون )
فهم جميعهم يسرعون لكن اتجاهاتهم متشتتة فالمنادي ناداهم
وفزعوا بندائه وقاموا ينظرون مسرعين لكن إلي غير جهة
ويصاب المجرمون بالذهول (يبلسون) ،فيجري كل واحد منهم
يريد النجاة بنفسه فيترك الوالد ولده والصاحب صاحبه والزوج زوجه والأخ أخيه (يومئذ
يتفرقون) فيبعث الناس جميعا ثم يفر كل من صاحبه فلا يأتي إلي الله أحد إلافردا
وإنما تفرقوا بعد جمع ، لأن في هذا اليوم : ( يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه
وصاحبته وبنيه وفصيلته التي تؤيه ومن ي الأرض جميعا ..) طلبا للنجاة ،ويتمايز
الناس في واجهتهم بأعمالهم وذلك بعد نفخة البعث والإسراع والفرار ،فمنهم من هو
أزرق الوجه واللون ومنهم من هو أسود الوجه كأن وجهه قطع من الليل مظلما ومنهم من
هو أبيض الوجه- نسأل الله تعالي - أن يبيض وجوهنا في هذا اليوم ،ووجوه كلها نضرة
وبشاشة تزداد نضرة بالنظر إلي خالقها – تللك الوجوه النضرة تراها مع نضرتها ضاحكة
مستبشرة لأنها مسفرة – أي مشرقة – ناعمة . وأما الكفار فوجوههم عابسة باسرة تري
فيها الخشوع (الذل) مرهقة بالعمل والنصب مو صوفة بالعمي والبكم والصمم ،رؤو سهم
منكسة عند ربهم إذا نظرت إليهم تراهم مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم وهم في هذا
شاخصة أبصارهم مسرعين ،رافعي رؤوسهم دون حركة لا تتحرك عيونهم وأفئدتهم هواء خاوية
ليس فيها ما يعمرها فهى ليس فيها أمل ولا رجاء ولا بشارة، ولا تطلع إلي الغفار
خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وحين يقوم الناس لرب العالمين تراهم من الفزع كاظمين
قلوبهم لدي حناجرهم حابسين أنفسهم من شدة هول يوم القيامة، (وخشعت الأصوات للرحمن
يومئذ فلا تسمع إلا همسا)( وبرزوا لله جميعا) (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من
حمل ظلما )،وينادي الملك : ( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار )، حيث تضاء الأرض
بنور ليس هو نورالشمس ولا هو بنورالقمرإ نما تضاء بنور ا لله حينئذ (يقوم الروح
والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا)، (وجاء ربك والملك صفا
صفا )،ثم تعرض الخلائق علي ربها صفا وهم حفاة عراة غرلا (وعرضوا علي ربك صفا لقد
جئتمونا كما خلقناكم أول مرة ) ووضع الكتاب فإذا وضع جئ بالنبيين والشهداء (وقضي
بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت )وإذا وضع الكتاب تري المجرمين
مشفقين مما فيه، ويقولون ياويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا
أحصاها – ذلك لأن كل فرد سيقرأ كتابه بنفسه حيث سيعلق كتاب كل إنسان في عنقه ويحدث
ذلك إذا تطايرت الصحف فيتناول الناس صحائفهم وهم بين متناول باليمين - نسأل الله
أن نكون من أهل اليمين –
أو متناول لها بالشمال – نعوذ بالله من الشمال واهله - أو من وراء ظهره
، فعلامة الفوز – نسأل الله تعالي الفوز – أن يتناول الفائز كتابه بيمينه ،وعلامة
الخسران ،أن يتناول الإنسان كتابه بشماله أو من وراء ظهره – حينئذ يحشر أهل الكفر علي وجوههم صما
وبكما وعميا في هذا البوم العظيم يكشف عن ساق من هول الموقف من هول الموقف وتعاظم
الأمر ويدعي الناس للسجود فبسجد المؤمنون ولايستطيع السجود من كان كافرا ففى هذا
اليوم يولي الكفار مدبرين لكنهم يجد ون الله أمامهم في كل جهةمالهم من الله من
عاصم ، ويدعي الناس للحساب وتدعى الأمم للحساب ، فتأتي كل أمة تجثوا على ركبها
وتعرض الخلائق علي الله تعالي لاتخفي منهم خافية ويتذكر الإنسان ماعمل وينبأ بما
فعل فيفرمن أخيه وأمه وأبيه و صاحبته وبنيه ويود يومئذ لويفتدي من عذاب ذلك اليوم
ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه ،وذلك لأنها
لظى نزاعة للشوى-وتأتي كل نفس يومها تجادل عن نفسها جدالا شديدا كثيرا، فيخرج لكل
نفس مجادلة،أو غير مجادلة كتابها الذي ألزمه الله( طائره) في عنقه فيلقاه منشورا
،ويدعى لقرآءته(كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا)،
قال تعالي (إقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا )
- ثم يجعل الله تعالي أوزارالعباد أثقالا فيحمل كل صاحب
وزر وزره ويحمل مع وزره من أوزار الذين أضلوهم بغير علم ثم (يوم تبلو كل نفس ما
أسلفت وردوا إلي الله مولاهم الحق وضل عنهم ماكانو يفترون)
والكافر يوم القيامة يحمل وزره ويخلد في النار (خالدين فيه )وهو
عمل سيء ليس ممدوح ولا مرغوب(وساء لهم يوم القيامة حملا)(وتراهم يحملون أوزارهم
علي ظهورهم) 31/ الأنعام
ففي هذا اليوم لايحمل أحد وزر أحد (ألا تزروا وازرة وزر
أخري ) وفيه(لا تملك نفس لنفس شيأ والأمر يومئذ لله) 19/ الإنفطار ، وفيه (لايغني مولا عن
مولي شيأ ولاهم لاينصرون )41/ الدخان
وفيه (لاتكلم نفس إلابإذنه ) ويحاول الكفار : الفرار فلا
يستطيعون وكذلك الإعتذار فلا يقبل منهم ثم يلجأون إلى الإنكارعندما لايجدون بدا من
ذلك ظانين أنهم بالإنكارسيمررون فيأبى الله إلا أن يكذبهم بأدلة مخلوقة معهم
،فتشهد عليهم أعضائهم ويختم الله علي أفواههم فتتكلم الأيدي وتشهد الأرجل ، (حتي إذاجاؤها شهد
عليهم سمعهم وأبصارهم وقلوبهم بما كانوايكسبون) 21/ فصلت ، كما يحاولون الإستشفاع
فلا تقبل لهم شفاعة
-ويطلبون فرصة أخري للحياة ليعملوا صالحا غير الذي عملوا
فلا يجاب طلبهم -ويدعون ربهم أن يخرجوا منها فإن عادوا فهم ظالمون كذا يقولون فلا
يجابون ويحقرون وينهون عن كلام الله تعالي فيغلق عليهم فينهار آخررجاء لهم ويتقربون
(أي الكفار) بما عملو من عمل فيه صلاح فيجعله الله تعالي هباءا منثورالأنهم ماتوا
علي الكفر
-وسيسأ ل ا لله تعالي الناس جميعا والكفار عما كانو
يفعلون (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون)
-وتدعي الأمم للحسا ب فتأتي ربها وهي جاثية – أي راكعة
علي ركبها-فيخرج الله لكل أمة كتاب (يوم تدعي كل أناس بإمامهم ) 71/ الإسراء ،
ويخرج الله تعالي لكل أمة رسولها (ويوم يبعث من كل أمة شهيدا من أنفسهم وجئنا بك
شهيدا علي هؤلاء) 89/ النحل ، (ويوم يبعث من كل أمة شهيدا ثم لايؤذن لهم ولاهم
يستعتبون )84/ النمل
وتنتظر كل أمة مجئ رسولها فإذ ا أذن الله لرسولها
بالمجيئ قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون قال تعالي (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم
قضي بينهم بالقسط وهم لايظلمون)47/يونس
-وقال تعالي (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك
علي هؤلاء شهيدا، يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوي بهم الأرض ولآيكتمون
الله حديثا)41/النساء
وسيحاسب الجن كما يحاسب الإنس قال تعالي(يامعشر الجن
والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا
شهدنا علي أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدواعلي أنفسهم أنهم كانوا كافرين)
وينادي الجبارالمشركين يوم القيامة فيقول سبحانه "أين شركائي
(48/فصلت/62/القصص/27 النمل)
(قالوا آذناك مامنا من شهيد* وضل عنهم ما كانوايدعون من
قبل وظنوا مالهم من محيص)48/فصلت
وفي سورة القصص يقول تعالي(أين شركائي الذين كنتم تزعمون
قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك
ما كانوا إيانايعبدون وقيل ادعوا شركاؤكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو
أنهم كانوا يهتدون )62-64/القصص
-وفي سورة النمل(ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي
الذين كنتم تشاقون فيهم)، وفي سورة الكهف (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم
فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا ) فسيسأل الله تعالي من أشركوابه أين
هؤلاء الشركاء ثم يأمرالله تعالي هؤلاء المشركين أن ينادوا علي شركائهم ويستدعونهم
فيزعنون لأمرالله بالإجبار وينادون يقصدون شركاءهم ولكن هيهات فما هم بسامعين حتى
يأتوا ولوسمعوا ما استجابوا لهم ويوم القيامة يكفرون بشركهم
أحوال الكفار يوم القيامة
1- يؤخذ بالنواصي والأقدام وهو وضع في التعامل مذري يدل
علي الإستهانة والتحقير
2- ويذهل المجرمون فهم في ذهول لإدراكهم الحقيقةوهم
يتفرقون
3- ويؤمرون بالوقوف عند ربهم (وقفوهم إنهم مسؤلون )
4- ويقال أحشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون
من دون الله فاهدوهم إلي صراط الجحيم
)
5- ويساقون علي وجوههم إلى جهنم زمرا
6- ويخلف الله تعالي ظنهم قال تعالي (قل هل ننبئكم
بالاخسرين اعمالاالذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)
7- وفي يوم القيامة يرون باديا مالم يكونوا يحتسبون – حيث يبدوا لهم
سيئات ما كسبوا
8- وسيسلسلون ويقيدون ، ثم يجعل الله تعالي ماعملوا من
أعمال كانوا يظنون أنها صالحةهباءا منثورا
9- ويرون أنهم ما لبثوا غير ساعة من نهار يتعارفون بينهم
10- وتؤمر الملائكة بحشر الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا
يعبدون من دون الله وأن يهدوهم إلي صراط الجحيم
11- ويأمر الله تعالي الملائكة بأن يوقفوهم علي حال من
سيسأل
12- وينادون بتعجيزهم :(ما لكم لاتناصرون) فلا يجيبون
استسلاما وتترك لهم للتساؤل بينهم فيقول بعضهم لبعض( إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) أي تزعمون حالفين
أنكم علي حق فيرد بعضهم علي بعض( بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان
بل كنتم قوما ظالمين )الصافات ، وفي هذا الموقف بالذات وهم موقوفون عند ربهم يرجع
بعضهم إلي بعض القول (يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولآ أنتم لكنا مؤمنين
قال الذين استكبرواللذين استضعفواأنحن صددناكم عن الهدي بعد إذ جآءكم بل كنتم
مجرمين )فيجيب الذين استضعفوا ( بل مكرالليل والنهار إذتأمروننا أن نكفر بالله
ونجعل له أندادا) ثم يوقن الجميع المستضعفون منهم والمستكبرون أنهم هالكون وأذهم
قد انتبهوا من المحاجة ، حتي لآح لهم العذاب ورأوه فاعتملت نفوسهم وصدورهم بندم
عظيم قد يئسوا من إظهاره فأسروه (واسرواالندامة لما رأواالعذاب وجعلنا الأغلآل في
أعناق الذين كفروا هل يجزون إلآما كانوا يعملون ) وحين يتحاجون ويوقن جميعهم أنهم
هالكون وأن لآفائدة من المحاجة وقبل أن يسروا الندامة يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم
بعضا فكلهم يكفربكلهم وينقلب وثن المودة التى كانوا يعبدونها فى الدنباإلى كراهية
ولعنة بينهم
13- ويحشر الكفار مع الشياطين بعضهم جنبا إلى جنب بعض
فيتحاجون وينهى الشيطان –عليه اللعنة –المحاجة بقوله (إن الله وعدكم وعد الحق
ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لى عليكم من سلطان ألآأن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومونى
ولوموا أنفسكم ماأنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إنى كفرت بما أشركتمونى من قبل ) ويحشر الكافرون
جميعهم والشياطين ثم تحضرهم الملآئكة حول جهنم باركين على ركبهم(جثيا) ثم يخرج
الله تعالى من كل شيعة أعتاهم على الرحمن انتزاعا فيخرج صاغرا ذليلآحقيرا لاحول له
ولا قوة ولا سلطان ليراه جمع الكافرين وينظر وحالهم يقول : هاهو العاتي فلان- إذكانوا جبارون فى
الدنيا عتاه فيخصهم الله تعالى بمزيد من الهوان والإذلال والتعجيز فأين جبروتهم
اليوم وعتوهم ،ويزدرى الملك كل كافرويحط كل كرامة لهم تحت الأقدام فلا كرامة لهم
فى أن يروا ربهم فيضرب الحجاب بينهم وبين الله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ
لمحجوبون )
14- وحين ينادى عليهم للحساب يجعلون فى مكان وضيع بعيد
عن رب العباد حيث لا كرامة لهم (أولائك ينادون من مكان بعيد )44/فصلت / خاصة من لم
يؤمن منهم بالكتاب فى الدنيا وكانوا يكرهون سماعه
15- وتبشرهم الملائكة بانعدام البشرى وتقول لهم الملائكة
ابقوا فى حجركم محجور عليكم أن تروا ربكم (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ
للمجرمين ويقولون حجرا محجورا)/الفرقان
16- ثم ينصرف الله عنهم فقد فرغ منهم ومن حسابهم لينساهم
فلا يذكرهم أبدا
(وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم
النار وما لكم من ناصرين )الجاثية
17-وإذ يحشر الناس على أقدامهم تمشى أقدامهم على الارض
ووجوههم لأعلى يحشر الله تعالى طائفة من الكفار يمشون على وجوههم وأقدامهم لأعلى
فيكون الوجه مكان القدم . قال تعالى (ونحشرهم على وجوههم عميا وبكما وصما)
97/الإسراء لأنهم :
1-كفروابآيات الله وقالوا (أإذا كنا عظاما ورفاتا أئنا
لمبعوثون خلقا جديدا )98/الاسراء
قال الله تعالى (الذين يحشرون غلى وجوههم إلى جهنم أولئك
شر مكانا وأضل سبيلا ) 34/الفرقان
2- ويساق الكافرون إلى جهنم فى مجموعات (زمرا)، مقيدون بالسلاسل (فى سلسلة زرعها سبعون ذراعا )
(يوميدعون إلى نار جهنم دعا )
مشاهد من يوم القيامة:
مشهد النفخ والبعث من القبور
بعدتمام أحداث الدنياوانتهائها على الوجه الذى فصلناه فى
آخر باب من ،الأبواب المتسلسلة فى عرض أحداث علامات يوم القيامة يجئ موعد نفخة
الصعق وهي النفخةالمترتبة فى تقدير علم الله تعالى لنهاية الخلق ويتصوربعض
العلماءالباحثين فى هذا الأمر أن النفخة هذه هي ا لتى ستؤدى إلى صوت الزلزلة
ودمارالكون . ولكن باستقراء النصوص القرآنيةوالأحاديث الصحيحة تبين أن أولها يكون
لسلب الأحياء أرواحهم فقط على أحوالهم التى يسمعون فيها هذه النفخة مع بقاء مكونات
الكون كماهى كالجبال والأشجاروالأنهار والكواكب والشموس إنها النفخةالتى يخلص
إليها حس الأحياء دون أن يشغلهم عنها شيءآخر فلا يسمعها أحدمن الأحياء إلا أصغى
ليتا ورفع ليتا أي وجه أذناه خافضاإحداها ورافعا الأخرى ليتحقق من هذا الصوت
الطارئ على الأسماع محاولا معرفة جهة هذه النفخة دون جدوى فلا يسمعها من البشر احد
إلا صعق على حاله بعد أن يتحقق من ذروتها وبعد أن تدق أذ نيه طبالها وينقر فى
أسماعه ناقورها ويبدوا أنها ستكون نفخة ذات نغم أو جرس متدرج فهي تبدأ بالصخ وهى
نفخة تتلاحق موجاتها لتتخطى كل المعاييرالمعروفة لدرجات الصوت المسموعة وغير
المسموعة فى الدنيا وفوق المسموعة وتنتهى بتغير الجرس إلى ماهو : القرع أو النقر
حيث تهدر موجات قرع متلاحقة يكون مجملها مع موجات الصخ
(النفخ) قاتلة بكل حال من الأحوال لكل من يسمع من البشر ومن فقد سمعه حيث أنه
يبدوا أن قوانين هذه النفخة القارعة سيكون لها حساب احتسبه الله تعالى فلم يعرفه
البشر فى دنياهم وهكذا فكل من سيبدأ بسماع النفخة سيصغى ليتا ويرفع ليتا حتى إذا
علا جرسها وازدوجت بالقرع صارت قاتلة فى الحال حيث لا يطعم الرجل الذى يحمل لبن
لقحته لبنها ولا يتمكن الرجلان وقد نثرا ثوبهما بينهما ليتبايعانه
فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولا يمكن رجل يليط حوضه
كىيسقى فيه فلا يفعل بل لا يلقم رجل يرفع أكلته إلى فيه ليطعم فلا تصل يده بها إلى
فيه ويخر الكل صعقا ميتا وقد زهقت أرواح الخلائق جميعها إلامن شاء الله ويصل قرع
هذه النفخة إلى كل حى فى السموات السبع والأرضين السبع فيموت لتوه كل من يسمعها من
الأنبياء والملائكة إلا ثمانية منهم هم
:
جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل (ملك الموت ) وحملة
العرش الأربعة قال تعالى (ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات ومن فى الأرض إلا من
شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذاهم قيام ينظرون ) الزمر 68 وجدير بالذكر هنا أن
الآية قد ذكرت النفختين دونما دلالة على التراخى بينهم إلا بلفظه (ثم) وهى دالة
على حدوث تراخي مجهول المدة فى الترتيب بين ، النفختين ،هذه المدةيحدث فيها ما نصت
عليه النصوص الصحيحة من السنة وما جاء فى القرآن من دمار كلى متسلسل للكون كله
بمجراته وكواكبه ونجومه وأفلاكه فتتعالى وتيرة النفخ فى الصور متدرجة بشدة تبدأ
معها شدة الموجات الصوتية الهادرة من الصور فى بداية التأثير على الجمادات بكل
الكون بعد أن أماتت الموجات التى سبقتها فى الشدة بإماتة الأحياء من البشر والجن
والحيوانات والطير والكل كائن حى صغر أم كان كبيراً ويستمر النفخ بهدر أشد وقوة
أكبر بلا انقطاع فتتدافع الموجات الصوتية التضاغطية الهادرة بقوة تطغى على كل قوى
وقوانين التماسك الكونى رغم دقتها فيبدأ الكون فى الإنهيارعلى النحو الذى فصلناه
قبل قليل ويصعق من فى السماوات ومن فى الارض ثم يليه مباشرة دمار الكون فى كافة المجرات
الكونية وكذلك مجرتنا درب التبان ومجموعة الأرض والشمس والسدم ، وكذلك فى مادة
السموات وما تحتوى ...قال تعالى [ فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية ] فتنفجر الشمس
وتبتلع القمر أ وتجمع معه ، فيخبوا ضوؤها ويزول ( أى تتكور الشمس ) ويحدث خلل مريع
فى توازن الأفلاك ،فتضطرب الأرض وترجرج وتزلزل حتى تنقطم الجبال فتسير سيرا تاركة
أوتادها للأرض فتندك الأرض وتنهار ويعقب ذلك تشقق الأرض وتفتت الجبال لتصبح مبثوثة
أي كثيبا مهيلاً وترج الارض رجاً ثم تدك الارض دكا إي تنهار ،ويخرج ما فى بطنها من
نار وبركان وحمم ومياه ونفط وخلافه وتفيض الأنهار بالمياه وما تخرجه الأرض حتى
تمتد الأرض وتستوى والجبال فى هذا تطير رمالها كالعهن المنفوش أي كوبر الصوف الذى
يعد لكي يغزل وهى متعددة الالوان لأن حجارةهذه الجبال متعددة الألوان لوجود
العناصر المعدنية المختلفة بها كالحديد والنحاس والذهب وغيرها وبينما تمر الأرض
وما تحمل فى هذه المراحل إذ تمورالسماء مورا وتضطرب بشدة ثم تصبح مسترخية واهية
ضعيفة جدا فتفرج فى كل مكان منها ويزداد الفرج إلى أن تصير شقوقا فى صفحتها الواهية
المسترخية ويزداد فتح الشقوق كلما ازداداضطرابها ومورها حتى تفتح إلى أبواب فكل
فرج يصبر شقا وكل شق يتسع إلى فتح وكل فتح يصنع بابا .... كل هذا ومازالت السماء
تضطرب وتمور(أى تغلى كالزيت) ويزداد الأضطراب فتقشط السماء وتقلع كلها ثم تطوى
كالكتاب فى مجموعات مطويات تصير فى يمين الله- عز وجل – "والسماء مطويات بيمينه "
فإذا طويت السماوات كالكتاب وصارت فى يمين الله تعالى ظهرالملائكة على أرجائها أي
أطرافها ويحمل عرش الرحمن يومئذ ثمانية من اعظم ما تكون الملائكة إذلايعلم حقيقته
إلا الجبار سبحانه وتعالى " فإذا نفخ فى الصور نفخة واحدة وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهى يومئذ واهية
والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فو قهم يومئذ ثمانية " هذا والواضح فى مكون
مادة السماء أساسا أنها من الزيت وذلك باستقرآء أدلة هدمها ، إذ تمورالسماء مورا-
وانشقت السماء فهى يومئذ واهية- (وفتحت السماء فكانت أبوابا ) وإذا السماء فى هذا
الشأن من الإنهيار يكون للشمس والقمر والنجوم شأن مماثل حيث تنفجر الشمس ويكثر
فيها الدخان وتفقد جذوتها ويختل دورانها حول نفسها وحول أجرامها فتسقط قريبا من
القمر ليجتمعا فى مدار واحد أو تبتلعه الشمس وهي فى كل هذا تفقد ضوءها ( أي تكور )
ويفقد القمر بالتالى ضوئه لانكدار الشمس – وفى هذا تضطرب سائر كواكب المجموعة
الشمسية ونجومها فتتناثر النجوم وتتبعثر وتنطفأ ويذهب ضوؤها فإذا تناثرت وبعثرت
وخبا ضوؤها أو زال تصير إلى انعدام وتطمس فلا ترى لأنها محقت وإذ بالشمس تصبح لا
شمس وإذ بالقمر يزول بقدر وإذ بالأرض تزول وتدمر وتنسف الجبال نسفا وتطمس النجوم
وتقهر ولا يبقى من كل مجموعة الشمس وكل مجرات الكون وكل السموات السبع أى قدر ،
وحيث يأمرالله تعالى ملك الموت بأن يقبض ارواح الملائكة الثمانية فيموتون ،ولا
يبقى إلا ملك الموت وجبار السموات والأرضين فيبتدرالله الملك الجبار تبارك اسمه
وتعالى جده – يبتدر ملك الموت فيقول : يا ملك الموت أنت خلق من خلقى خلقتك لما
أردت فمت ، فيموت ملك الموت وحينئذ لا يبقي فى هذا الملكوت الكوني الهائل ماعلمناه
ومالم نعلمه – ولا يبقي من حي غير الجبارجل وعلا – ويبقى الحال بهذا السكون ماشاء
الله حتى يشاء الله فيمسك السموات السبع والأرضين كلهم بيمينه – (وفى رواية يمسك
السموات بيمينه والأرض بشماله ) ويهزهن ويقول : أناالملك أنا الجبار أين ملوك
الأرض أين الجبارون أين المتكبرون لمن الملك اليوم ... لمن الملك اليوم ... لمن
الملك اليوم ومامن مجيب من الخلائق جميعها فيجيب سبحانه لله الواحد القهار ويطبق
على الكون السكون فلا حياةفى جماد أو ملك أو بشر فكلهم تحت يد الله وفيها قدمات
وبطل كل شيء إلا الله حتى إذا شاء الله تعالى لخلقه بالحياةوأزف ميقات الحساب
وأراد أن يقيم الوزن ويقضي بالقسط ويحق الحق أمربنزول مطر كالطل على أجساد الخلائق
فتنبت منه الاجساد كما تنبت البقل فى حميل السيل فأول من يقوم إسرافيل ولنا أن
نتسائل عن المدة التى سيبقي فيها الكون ساكنا ؟ كم هي ؟ روى البخارىفى الصحيح
ومسلم فى الجامع الصحيح من حديث أبي هريرةقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(بين النفختين أربعون ، ولم يفصل الأمر هل هي أربعون سنة أم شهر أم يوم أم ماذا ؟
ومعرفة المدة بالنسبة لنا لاأهمية له حيث أن الكل فى موات فعلى أما كيف تنبت
الأجساد وتعود الأرواح فى العباد وتكسى العظام ويتحددعين كل فرد فكل ذلك راجع إلي
قدرة الخلاق العظيم حيث ضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا يعتبر وجه من أوجه
القدرة الإلهية على إعادة الحياة بعد الموت فمن بقى فيهم عجز من الخلائق أو (عجب
الذنب )وهى عظمة بارزة فى أسفل العمود الفقارى ينشأ الله تعالى منه إعادة الخلق
،ومن مات وذرى منه كل رماده إذامات محترقا أو مات منصهرا أو غير ذلك فقد خلقه الله
تعالى من قبل ولم يك شيأ فلن يعجز القادر أن يجعله كما خلقه أول مرة أو من خلاياه
التى يعلم الله مستقرها – إن كلمة كن كناية للخلق من عدم والحاصل أن أجساد العباد
سيخلقها الله تعالى بهذا المطر الذى سينبت منه كل ذر كان قبل ذلك خلقا فإذا اكتمل
خلق البشر كلهم أمرملك البعث بالصياح فى الخلق صيحة الحياةأو البعث من الموت قال
تعالى ( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذاهم جميع لدينا محضرون )35/يس وقد روى فى
الصحيح أن إسرافيل يصيح بصوت يسمعه كل من كان حيا من قبل فى أرجاء كون الله الواسع
فى وقت واحد "أيتها العظام النخرة والأوصال المتقطعة والأجزاء المتفرقة
والشعور المتمزقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء ، وسواء صحت هذه الرواية
أو ضعفت فإن صيحة إسرافيل ثابتة بنص الآية وهى (صيحة البعث والتجميع والحضور) وقد
روي أن فى الصور ثقوب على قدر أرواح الخلائق فإذا نفخ الملك فى القرن تطير الأرواح
إلى أجسادها لا تخطئها ، فتطيرأرواح المؤمنين تضيء نوراوأرواح الكافرين ظلمة ،
ويقول الله عز وجل ):
رؤية القرطبي للبعث والمرور على الصراط أخبر الباري جل
وعلا أن بعض من السماوات ومن في الأرض لا يصعقون عندما يصعق من في السماوات ومن في
الأرض( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) وقد
اختلف العلماء في تعيين الذين عناهم الحق بالاستثناء في قوله( إلا من شاء الله ) ، فذهب ابن حزم إلى أنهم جميع الملائكة لأن الملائكة
في اعتقاده أرواح لا أرواح فيها ، فلا يموتون أصلا. وهذا الذي ذهب إليه لا يسلم له
، فالملائكة خلق من خلق الله تبارك وتعالى وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة منه مثل الغشي) ، فأخبر في
هذا الحديث أنهم يصعقون صعق الغشي ، فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز عليهم صعق الموت
. وذهب مقاتل وغيره إلى أنهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وأضاف إليه بعض
أهل العلم حملة العرش. وصحة هذا متوقف على أحاديث رووها ، وأهل العلم بالحديث لا
يصححون مثلها . وذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلError! Hyperlink
reference not valid. أى أن المراد بهم الذين في الجنة
من الحور العين والولدان، واضاف إليهم أبو اسحاق بن شاقلا من الحنابلة والضحاك بن
مزاحم خزنة الجنة والنار وما فيها من الحيات والعقارب . يقول ابن تيميةرحمه الله :
وأما الاستثناء فهو متناول لما في الجنة من الحور العين ، فإن الجنة ليس فيها موت
، وقد جنح أبو العباس القرطبي صاحب " المفهم إلى شرح مسلم " إلى أن
المراد بهم الأموات كلهم ، لكونهم لا إحساس لهم فلا يصعقون. وما ذهب إليه أبو
العباس صحيح إذا فسرنا الصعق بالموت ، فإن الانسان سيموت مرة واحدة ( لا يذوقون
فيها الموت إلا الموتة الأولى ) . وقد عقد بان القيم في كتابه " الروح " فصلا كاملا
بين فيه أن أهل العلم قد اختلفوا في موت الأرواح عند النفخ في الصور. والذي رجحه ابن
القيم أن موت الأرواح هو مفارقتها للأجساد وخروجها منها ، ورد قول الذين قالوا
بفناء الأرواح وزوالها . أما إذا فسرنا الصعق بالغشي ، فإن الأرواح تصعق بهذا
المعنى ولا تكون داخلة فيمن اشتثنى الله تبارك وتعالى ، فإن الإنسان قد يسمع أو
يرى ما يفزعه فيصعق ، كما وقع لموسى عندما رأى الجبل قد زال من مكانه ( وخر موسى صعقا )
، وقد جاء هذا المعنى صريحا في بعض النصوص ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون فأكون أول
من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أو كان
ممن استثنى الله ) رواه البخاري وهذا الحديث صريح في أن الموتى يصعقون ، فإذا كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المرسلين يصعق ، فغيره أولى بالصعق . وقد
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذي يصعق صعق غشي هم الشهداء دون غيرهم من الأموات ،
وأضاف غليهم آخرون الأنبياء. ويرى القرطبي أن السر في قصر هذا على الشهداء
والأنبياء أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين ،
وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا حال الشهداء كان الأنبياء أحق وأولى
وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء ، وأن عليه
الصلاة والسلام قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء وخصوصا
بموسى.....إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى
أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحيا .... وإذا تقرر أنهم أحياء ، فإذا نفخ في
الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات ومن في الرض إلا من شاء الله . وذهب
البيهقي إلى أن الأنبياء والشهداء يصعقون صعق الغشي وبناء على هذا الفقه يكون
الأنبياء والشهداء من الذين يصعقون ، ولا يكونون داخلين في الاستثناء. وقد نقل عن
ابن عباس وأبي هريرة وسعيد بن جبير أن الأنبياء والشهداء من الذين استثناهم الله ،
وعزاه ابن حجر إلى البيهقي، فإن كان المراد استثناؤهم من الموت فإن هذا حق ، وإن
كان المراد استثناؤهم من الصعق الذي يصيب الأموات كما دل عليه حديث موسى فالأمر
ليس كذلك وقد ذهب الحليمي أن لا يمكن أن يكون المستثنون حملة العرش أو جبرائيل
وميكائيل وملك الموت ، فحملة العرش ليسوا من سكان السماوات والأرض ، لأن العرش فوق
السماوات كلها . وأما جبرائيل وميكائيل وملك الموت فمن الصافين المسبحين حول العرش
والعرش فوق السماوات ، فكيف يكون الاصطفاف حوله في السماوات. وكذلك رد القول بأنهم
هم الولدان والحور العين في الجنان ، لأن الجنان وإن كان بعضها أرفع من بعض فإن
جميعها فوق السماوات ودون العرش. وكذلك رد قول الذين قالوا أن المستثنون هم
الأموات لأن الاستثناء إنما يكون لمن يمكن دخوله في الجملة ، فأما من لا يمكن دخوله
في الجملة فيها فلا معنى لاستثنائه منها ، والذين ماتوا قبل النفخ ليسوا بفرض أن
يصعقوا فلا وجه لاستثنائهم ، وقد اختار أن الغشية التي تصيب موسى ليست هي الصعقة
التي تهلك الناس وتميتهم ، وإنما هي صعقة تصيب الناس في الموقف بعد البعث . وقد
جزم ابن القيم رحمه تعالى بأن الصعقة التي تحدث عنها الرسول صلى الله عليه وسلم هي
صعقة تكون بعد البعث ، وهي المرادة بقوله تعالى ( فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه
يصعقون ) والله أعلم بالصواب وخلاصة القول أن بعض أهل العلم ذهب إلى أن الأولى
بالمسلم التوقف في تعيين الذين استثناهم الله لأنه لم يصح في ذلك نص صريح. وقد
اشار ابن تيمية إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم توقف في موسى وهل هو داخل في
الاستثناء أم لا . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله
لم يمكننا أن نجزم بذلك
3-عدد النفخات : الذي يظهر أن إسرافيل ينفخ في الصور
مرتين ، الأولى يحصل بها الصعق ، والثانية يحصل بها البعث ، قال تعالى ( ونفخ في
الصور فصعق من السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم
قيام ينظرون( ، سورة الزمر . وقد سمى القرآن النفخة الأولى بالراجفة ، والنفخة
الثانية بالرادفة ، قال تعالى ( يوم ترجف الراجفة ، تتبعها الرادفة) . وفي موضع
آخر سمى الأولى بالصيحة ، وصرح بالنفخ بالصور بالثانية، قال تعالى ( ما ينظرون إلا
صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون ، ونفخ
في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) . وقد جاءت الأحاديث النبوية مصرحة
بالنفختين ، ففي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( ما بين النفختين أربعون ) قالوا: يا ابا هريرة : أربعون يوما ؟
قال: ابيت. قال: اربعون شهرا ؟ قال : ابيت ، قال : أربعون سنة ؟ قال : ابيت ) رواه
البخاري في صحيحه . وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى
الله عليه وسلم يقول:( ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ، ورفع
ليتا ، فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ، ويصعق الناس، ثم يرسل الله-
أو قال: ينزل الله مطرا ، كأنه الطل ، أو الظل فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه
أخرى فإذا هم قيام ينظرون) رواه مسلم . وذهب جمع من أهل العلم إلى أنها ثلاث نفخات
، هي نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث. وممن ذهب هذا المذعب ابن العربي
وابن تيمية وابن كثير والسفاريني، وحجة من ذهب هذا المذهب أن الله ذكر نفخة الفزع
في قوله (ويوم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله (
كما احتجوا ببعض الأحاديث التي نصت على أن النفخات ثلاث ، كحديث الصور الطويل ،
الذي أخرجه الطبري وفيه ( ثم ينفخ في الصور ثلاث نفخات ، نفخة الفزع ، ونفخة الصعق
، ونفخة القيام لرب العالمين) ، أما استدلالهم بالآية التي تذكر نفخة الفزع فليست
الآية صريحة على أن هذه نفخة ثالثة، إذ لا يلزم من ذكر الحق تبارك وتعالى للفزع
الذي يصيب من في السماوات والأرض عند النفخ في الصور أن تجعل هذه نفخة مستقلة ،
فالنفخة الأولى تفزع الأحياء قبل صعقهم ، والنفخة الثانية تفزع الناس عند بعثهم .
أما حديث الصور فهو حديث ضعيف مضطرب كما يقول الحجة في علم الحديث ابن حجر
العسقلاني رحمه الله تعالى ، ونقل تضعيفه عن البيهقي . وذهب ابن حزم رحمه الله
تعالى إلى أن النفخات يوم القيامة أربع : الأولى نفخة إماتة ، والثانية نفخة إحياء
، يقوم بها كل ميت وينشرون من قبورهم ويجمعون للحساب، والثالثة : نفخة فزع وصعق ،
يفيقون منها كالغشي عليه ، لا يموت منها أحد ، والرابعة : نفخة إفاقة من ذلك الغشي
. قال
ابن حجر بعد أن حكى مقالة ابن حزم: هذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح
، بل هما نفختان فقط ، ووقع التغاير في كل واحد منهما باعتبار من يستمعهما ،
فالأولى يموت فيها كل من كان حيا ، ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله .
والثانية : يعيش بها من مات ، ويفيق بها من غشي عليه والله أعلم
4-اليوم الذي تكون فيه النفخة : تقوم الساعة يوم الجمعة
، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خير يوم طلعت
فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا
تقوم الساعة إلا يوم الجمعة ) رواه مسلم . وفي حديث آخر أخبر الرسول صلى الله عليه
وسلم أن الساعة تقوم يوم الجمعة ، وفيها يبعث العباد أيضا ، فعن أوس بن أوس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم،
وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم
معروضة عليّ ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارامي والبيهقي . ولما كانت الساعة
تقع في هذا اليوم فإن المخلوقات في كل يوم جمعة تكون مشفقة خائفة إلا الانس والجن
، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خير يوم
طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه هبط وفيه تيب عليه ، وفيه مات
وفيه تقوم الساعة ، وما من دابة إلا وهي مصيخة - منتظرة قيام الساعة - يوم الجمعة
من حين تصبح حتى تطلع الشمس ، شفقا من الساعة إلا الجن والإنس ) روام مالك وأبو
داود والترمذي والنسائي وأحمد
5-النافخ في الصور :قال ابن حجر العسقلاني : ( اشتهر أن
صاحب الصور إسرافيل عليه السلام ، ونقل فيه الحليمي الإجماع ، ووقع التصريح به في
حديث وهب بن منبه ، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي ، وفي حديث أبي هريرة عند ابن
مردويه ، وكذلك في حديث الصور الطويل) . وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أن صاحب
الصور مستعد دائما للنفخ فيه منذ أن خلقه الله تعالى ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن طَرْف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر
نحو العرش ، مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه ، كأن عينيه كوكبان دريان ) رواه
الحاكم في المستدرك وقال صحيح الاسناد ووافقه الذهبي وفي هذا الزمان الذي اقتربت
فيه الساعة ، أصبح اسرافيل أكثر استعدادا وتهيؤا للنفخ في الصور ، فقد روى ابن
المبارك في الزهد ، والترمذي في سننه ,أبو نعيم في الحلية وأبو يعلى في مسنده وابن
حبان في صحيحه ، والحاكم في المستدرك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى
جبهته ، وأصغى سمعه ، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ ، فينفخ. قال المسلمون: فكيف نقول يا
رسول الله ؟ قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكلنا على الله ربنا ) وقال
الترمذي : حديث حسن صحيح
6-الصور الذي ينفخ فيه: الصور في لغة العرب : القرن ،
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصور ففسره بما تعرفه العرب من كلامها ،
فعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: ( ما الصور ؟ قال : الصور قرن ينفخ فيه ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ،
وقال عنه الحاكم صحيح ووافقه الذهبي . وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ( الصُور ) ، جمع صورة ، وتأوله على أن المراد النفخ في الأجساد
لتعاد إليها الأرواح . ونقل عن أبي عبيدة والكلبي أن ( الصُّوْر) بسكون الواو جمع
صورة ، كما يقال : سور المدينة جمع سورة ، والصوف جمع صوفة، وبسر جمع بسرة. وقالوا
: المراد النفخ في الصور وهي الأجساد ، لتعاد فيها الأرواح وما ذكروه خطأ من وجوه:
الأول : أن القراءة التي نسبت إلى الحسن البصري لا تصح نسبتها إلى الأئمة الذين
يحتج بقراءتهم الثاني: أن ( صورة ) تجمع على ( صُوَر) ولا تجمع على ( صُوْر) كما ادعى أبو
عبيدة والكلبي قال تعالى ( وصوركم فأحسن صُوَركم ) ولم يعرف عن أحد من القراء أنه
قرأها : فأحسن صُوْركم الثالث : أن الكلمات التي ذكروها ليست بجموع وإنما هي أسماء
جموع يفرق بينها وبين واحدتها بالتاء الرابع : أن هذا القول خلاف ما عليه أهل
السنة والجماعة ، فالذي عليه أهل السنة والجماعة أن الصور بوق ينفخ فيه
الخامس : أن هذا القول مخالف لتفسير الرسول صلى الله
عليه وسلم حيث فسره بالبوق
السادس : أن الله تعلى قال ( ونفخ في الصور فصعق من
السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) فقد
أخبر الحق سبحانه أنه ينفخ في الصور مرتين ، ولو كان المراد بالصور النفخ في
الصُوَر التي هي الأبدان لما صح أن يقال ( ثم نفخ فيه أخرى ) لأن الأجساد تنفخ
فيها الأرواح عند البعث مرة واحد
7-النفخ في الصور : هذا الكون العجيب الغريب الذي نعيش
فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم ، وهم في حركة دائبة لا
تهدأ ولا تتوقف ، وسيبقى حاله كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي يهلك الله فيه جميع
الأحياء إلا من يشاء ( كل من عليها فان ) ، ( كل شيء هالك إلا وجهه ) . وعندما
يأتي ذلك اليوم ينفخ في الصور ، فتنهي هذه النفخة الحياة في الأرض والسماء ( ونفخ
في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله )، وهي نفخة هائلة
مدمرة يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشيء ، ولا يقدر على العودة إلى أهله
وخلانه ( ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون ، فلا يستطيعون توصية ولا
إلى أهلهم يرجعون ) . وفي الحديث : ( ثم ينفخ في الصور ، فلا يسمعه أحد إلا أصغى
ليتا، ورفع ليتا ، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال : فيصعق ويصعق
الناس ) رواه مسلم ، والليت : صفحة العنق وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن
سرعة هلاك العباد حين تقوم الساعة فقال ( ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما
بينهما ، فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته
فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه ، فلا يشقي فيه ، ولتقومن الساعة وقد
رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها ) رواه البخاري
8-.المحاسبي يصور أهوال ذلك اليوم يقول الحارث المحاسبي
رحمه الله واصفا ما يقع في ذلك اليوم من أهوال: حتى إذا تكاملت عدة الموتى ، وخلت
من سكانها الأرض والسماء فصاروا خامدين بعد حركاتهم ، فلا حس يسمع ، ولا شخص يرى ،
وقد بقي الجبار الأعلى كما لم يزل أزليا واحدا منفردا بعظمته وجلاله ، ثم لم يفجأ
روحك إلا بنداء المنادي لكل الخلائق معك للعرض على الله عز وجل بالذل والصغار منك
ومنهم . فتوهم كيف وقوع الصوت في مسامعك وعقلك وتفهم بعقلك كأنك تدعى إلى العرض
‘لى الملك الأعلى فطار فؤادك ، وشاب رأسك للنداء ، لأنها صيحة واحدة بالعرض على ذي
الجلال والإكرام والعظمة والكبرياء، فبينما أنت فزع للصوت إذ سمعت بانفراج الأرض
على رأسك ، فوثبت مغبرا من قرنك إلى قدمك بغبار قبرك قائم على قدميك ، شاخص بصرك
نحو النداء ، قد ثار الخلائق كلهم معك ثورة واحدة مغبرون من غبار الأرض التي طال
فيها بلاؤهم فتوهم ثورتهم بأجمعهم بالرعب والفزع منك ومنهم ، فتوهم نفسك بعريك
ومذلتك وانفرادك بخوفك وأحزانك وغمومك وهمومك في زحمة الخلائق عراة حفاة صوت
أجمعون بالذلة والمسكنة والمخافة والرهبة ، فلا تسمع إلا همس أقدامهم والصوت لمدة
المنادي ، والخلائق مقبلون نحوه، وأنت فيهم مقبل نحو الصوت ، ساع بالخشوع والذلة ،
حتى إذا وافيت الموقف ازدحمت الأمم كلها من الجن والإنس عراة حفاة ، قد نزع الملك
من ملوك الأرض ولزمتهم الذلة والصغار ، فهم أذل أهل الجمع وأصغرهم خلقة وقدرا بعد
عتوهم وتجبرهم على عباد الله عز وجل في أرضه ثم أقبلت الوحوش من البراري وذرى
الجبال منكسة رؤوسها ذليلة ليوم القيامة حتى وقفت من وراء الخلائق بالذل والمسكنة
والانكسار للملك الجبار ، وأقبلت الشياطين بعد عتوها وتمردها خاشعة لذل العرض على
الله سبحانه فسبحان الذي جمعهم بعد طول البلاء واختلاف خلقهم وطبعائهم وتوحش بعضهم
من بعض قد أذلهم البعث وجمع بينهم النشورحتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها
وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها ، واستوو جميعا في موقف العرض
والحساب تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر ، وأظلمت الأرض بخمود
سراجها وإطفاء نورها. فبينما أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم
، فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم وذلك بعينك تنظر إلى هول ذلك ، ثم انشقت بغلظها
خمسمائة عام ، فيا هول صوت انشقاقها في سمعك ، ثم تمزقتوانفطرت بعظيم هول يوم
القيامة والملائكة قيام على أرجائها وهي حافات ما يتشقق ويتفطر ، فما ظنك بهول
تنشق فيه السماء بعظمها ، فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع
يوم القيامة كما قال الجليل الكبير( فكانت وردة كالدهان) ، ( يوم تكون السماء
كالمهل ، وتكون الجبال كالعهن) ، فبينما ملائكة السماء الدنيا على حافتها إذا
انحدروا محشورين إلى الأرض للعرض والحساب ، وانحدروا من حافتيها بعظم أجسامهم
وأخطارهم وعلو أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين إلى الأرض بالذلة
والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه ، فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم
وكبير أجسامهم وهول أصواتهم وشدة فرقهم منكسين لذل العرض على عز وجل . فيا فزعك
وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم ، مسألتهم إياهم: أفيكم ربنا ؟ ففزع الملائكة من سؤالهم
إجلالا لمليكهم أن يكون فيهم ، فنادوا بأصواتهم تنزيلا لما توهمه أهل الأرض: سبحان
ربنا ليس هو بيننا فهو آت ، حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم في
عظم خلقهم بالذل والمسكنة والخشوع لربهم ، ثم كل شيء على ذلك وكذلك إلى السماء
السابعة كل أهل سماء مضعفين بالعدد وعظم الأجساد ، وكل أهل سماء محدقين بالخلائق
صفا حتى إذا وافى الموقف أهل السماوات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر
سنين وأدنيت رؤوس الخلائق قاب قوس أو قوسين ، ولا ظل لآحد إلا ظل رب العالمين ،
فمن بين مستظل بظل العرش ، وبين مضحو بحر الشمس ، قد صهرته بحرها واشتد كربه وقلقه
من وهجها ، ثم ازدحمت الأمم وتدافعت ، فدفع بعضهم بعضا وتضايقت فاختلفت الأقدام
وانقطعت الأعناق من العطش واجتمع حر الشمس ووهج أنفاس الخلائق وتزاحم أجسامهم ففاض
العرق سائلا حتى استنقع على وجه الأرض ثم على الأبدان على قدر مراتبهم ومنازلهم
عند الله عز وجل بالسعادة والشقاء ، حتى إذا بلغ من بعضهم العرق كعبيه ، وبعضهم
حقويه ، وبعضهم غلى شحمة أنه ، ومنهم من كاد أن يغيب في عرقه ومن قد توسط العرق من
دون ذلك منه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الرجل (
وقال مرة إن الكافر ) ليقوم يوم القيامة في بحر رشحه إلى أنصاف أذنيه من طول
القيام) ، وعن عبدالله رفعه إلى التبي صلى الله عليه وسلم ( إن الكافر يلجم بعرقه
يوم القيامة من طول ذلك اليوم) وقال علي : من طول القيام . قالا جميعا حتى يقول :
رب أرحني ولو إلى النار . وأنت لامحالة أحدهم ، فتوهم نفسك راجعة لكربك وقد علاك
العرق ، وأطبق عليك الغم ، وضاقت نفسك في صدرك من شدة العرق والفزع والرعب ، الناس
معك منتظرون لفصل القضاء إلى دار السعادة أو إلى دار الشقاء ، حتى إذا بلغ المجهود
منك ومن الخلائق منتهاه ، وطال وقوفهم لا يكلمون ولا ينظرون في أمورهم ، عن قتادة
أو كعب ، قال : يوم يقوم الناس لرب العالمين قال : ( يقومون مقدار ثلاثمائة عام ،
قال سمعت الحسن يقول : ما ظنك بأقوام ما قاموا لله عز وجل على أقدامهم مقدار خمسين
ألف لم يأكلوا فيها أكلة ولم يشربوا فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم من العطش ،
واحترقت أجوافهم من الجوع انصرف بهم إلى النار ، فسقوا من عين آنية قد آن حرها ،
واشتد نفحها ، فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضا في طلب من
يكرم على مولاه أن يشفع لهم في الراحة من مقامهم وموقفهم لينصرفوا إلى الجنة أو
إلى النار من وقوفهم ففزعوا إلى آدم ونوح ومن بعده إبراهيم ، وموسى وعيسى من بعد
إبراهيم ، كلهم يقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضبه قبله مثله ولا يغضب
بعده مثله ، فكلهم يذكر شدة غضب ربه عز وجل وينادي بالشغل بنفسه فيقول : نفسي نفسي
، فيشتغل بنفسه عن الشفاعة لهم إلى ربهم لاهتمامه بنفسه وخلاصها وكذلك يقول الله
عز وجل ( يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ) ، فتوهم أصوات الخلائق وهم ينادون
بأجمعهم منفرد كل واحد منهم بنفسه ، ينادي نفسي نفسي ، فلا تسمع إلا قول نفسي
نفسي. فيا هول ذلك وأنت تنادي معه بالشغل بنفسك والاهتمام بخلاصها من عذاب ربك
وعقابه فما ظنك بيوم ينادي فيه المصطفى آدم والخليل إبراهيم ، والكليم موسى ،
والروح والكلمة عيسى مع كرامتهم على الله عز وجل وعظم قدر منازلهم عند الله عز وجل
كل ينادي : نفسي نفسي ، شفقا من شدة غضب ربه ، فاين أنت منهم في اشفاقك في ذلك
اليوم واشتغالك بذلك اليوم ، وبحزنك وبخوفك؟ حتى إذا أيس الخلائق من شفاعتهم أتوا
النبي محمد صلى الله عليه وسلم فسألوه الشفاعة إلى ربهم فأجابهم إليها ، ثم قام
إلى ربه عز وجل واستأذن عليه فأذن له ثم خر لربه ساجدا ، ثم فتح عليه من محامده
والثناء عليه لما و أهله ، وذلك كله بسمعك واسماع الخلائق ، حتى أجابه ربه عز وجل
إلى تعجيل عرضهم والنظر في أمورهم
9-تكوير الشمس وتناثر النجوم : أما الشمس التي تغمر هذه
الحياة بالضياء ، فإنها تجمع وتكور ، ويذهب ضوؤها كما قال تعالى ( إذا الشمس كورت
) ، والتكوير عند العرب : جمع الشيء بعضه على بعض ، ومنه تكوير العمامة ، وجمع
الثياب بعضها على بعض ، وإذا جمع بعض الشمس على بعض ، ذهب ضوؤها ورمى بها أما
القمر الذي نراه في أول الشهر هلالا ثم يتكامل ويتنامى حتى يصبح بدرا جميلا بديعا
، فإنه يخسف به ويذهب ضوؤه ( فإذا برق البصر ، وخسف القمر ) أما تلك النجوم
المتناثرة في القبة السماوية الزرقاء ، فإن عقدها ينفرط فتتناثر وتنكدر ( وإذا
الكواكب انتثرت ) ، وقال تعالى ( وإذا النجوم انكدرت) ، والانكدار : الانتثار ،
وأصله في لغة العرب : الانصباب
10-دوران السماء وانفطارها أما السماء فإنها تمور مورا
وتضطرب اضطرابا عظيما ( يوم تمور السماء مورا ) ثم إنها تنفطر وتتشقق ( إذا السماء
انفطرت ) ، ( إذا السماء انشقت ، وأذنت لربها وحقت ) ، وعند ذلك تصبح ضعيفة واىهية
كالقصر العظيم المتين البنيان الراسخ الأركان عندما تصيبه الزلازل ، تراه بعد
القوة أصبح واهيا ضعيفا متشققا ( وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ) أما لون السماء
الأرزق الجميل فإنه يزول ويذهب ، وتأخذ السماء في التلون في ذلك اليوم كما تتلون
الأصباغ التي يدهن بها ، فتارة حمراء ، وتارة صفراء ، وأخرى خضراء ، ورابعة زرقاء
، كما قال تعالى ( فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان) ، وقد نقل عن ابن عباس
أن السماء تكون في ذلك اليوم كالفرس الورد ، والفرس الورد - كما يقول البغوي - تكون في الربيع
صفراء ، وفي الشتاء حمراء ، فإذا اشتد البرد تغير لونها ، وقال الحسن البصري في
قوله ( وردة كالدهان ) أي تكون ألوانا
11-تفجير البحار وتسجيرها : أما البحار التي تغطي الجزء
الأعظم من هذه الأرض وتعيش في باطنها عوالم هائلة من الأحياء ، فإنها تفجر في ذلك
اليوم ، وقد علمنا في هذا العصر الهول العظيم الذي يحدثه انفجار الذرات الصغيرة
التي هي أصغر من ذرات الماء فكيف إذا فجرت ذرات المياه في هذه البحار العظيمة ،
عند ذلك تسجر البحار ، وتشتعل نارا ، ولك أن تتصور هذه البحار العظيمة الهائلة وقد
أصبحت مادة قابلة للإشتعال ، كيف يكون منظرها ، اللهب يرتفع منها إلى أجواز الفضاء
، قال تعالى ( وإذا البحار فجرت ) ، وقال ( وإذا البحار سجرت ) ، وقد ذهب المفسرون
قديما إلى أن المراد بتفجير البحار ، تشقق جوانبها وزوال ما بينها من الحواجز
واختلاط الماء العذب بالماء المالح ، حتى تصير بحرا واحدا ، وما ذكرناه أقرب وأوضح
، فإن التفجير بالمعنى الذي ذكرناه مناسب للتسجير والله أعلم بالصواب
12-دك الأرض ونسف الجبال أخبر الحق تبارك وتعالى أن هذه
الأرض الثابتة ، وما عليها من جبال صم راسية تحمل في يوم القيامة عندما ينفخ في
الصور فتدك دكة واحدة ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ، وحملت الأرض والجبال فدكتا
دكة واحدة ، فيومئذ وقعت الواقعة ) ، ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ) ، وعند ذلك
تتحول هذه الجبال الصلبة إلى رمل ناعم كما قال تعالى ( يوم ترجف الأرض والجبال
وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي تصبح ككثبان الرمل بعد أن كانت حجارة صماء ، والرمل
المهيل : هو الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده ، يقال : أهلت الرمل هيلا، إذا
حركت أسفله حتى انهال من أعلاه ، وجاء في موضع آخر أن الجبال تصبح كالعهن وهو
الصوف كما قال تعالى ( وتكون الجبال كالعهن ) ، وفي موضع آخر ( وتكون الجبال
كالعهن المنفوش) ثم إن الحق تبارك وتعالى يزيل هذه الجبال عن مواضعها ويسوي الأرض
حتى لا يكون فيها موضع مرتفع ، ولا منخفض ، وعبر القرآن عن إزالة الجبال بتسييرها
مرة وبنسفها أخرى فقال تعالى ( وإذا الجبال سيرت ) وقال ( وسيرت الجبال فكانت
سرابا ) ، وقال في نسفه لها ( وإذا الجبال نسفت) ، ثم بين الحق حال الأرض بعد تسيير
الجبال ونسفها ( ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة ) أي ظاهرة لا ارتفاع فيها ولا
انخفاض ، كما قال تعالى ( ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ، فيذرها قاعا
صفصفا ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا)
13-قبض الأرض وطي السماء تحدث القرآن عن أهوال يوم
القيامة التي تشده الناس وتشد أبصارههم وتملك عليهم نفوسهم ، وتزلزل قلوبهم. ومن
أعظم تلك الأهوال ذلك الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يصيب الأرض وجبالها
والسماء ونجومها وشمسها وقمرها ، فالأرض تزلزل وتدك ، وأن الجبال تسير وتنسف ،
والبحار تفجر وتسجر ، والسماء تتشقق وتمور ، والشمس تكور وتذهب ، والقمر يخسف
والنجوم تنكدر ويذهب ضوؤها وينفرط عقدها فالحق تبارك وتعالى يقبض الأرض بيده يوم
القيامة ، ويطوي السماوات بيمينه، كما قال تعالى ( وما قدروا الله حق قدره والأرض
جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) ،
وجاء في موضع آخر ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا
علينا إنا كنا فاعلين) وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( يقبض الله الأرض يوم القيامة ، ويطوي السماء بيمينه ،
ثم يقول: أنا الملك ، فأين ملوك الأرض ) رواه البخاري ومسلم . وعن عبدالله بن عمر
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يطوي الله السماوات يوم القيامة ، ثم
يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول : أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون؟ ثم
يطوي الأرض بشماله - وفي رواية : يأخذهن بيده الأخرى - ثم يقول : أنا الملك ، أين
الجبارون أين المتكبرون ) رواه مسلم وهذا القبض للأرض والطي للسماوات يقع بعد أن
يفني الله خلقه ، وقيل إن المنادي ينادي بعد حشر الخلق على أرض بيضاء مثل الفضة ،
لم يعص الله عليها ، واختاره أبو حعفر النحاس ، قال : والقول صحيح عن ابن مسعود
وليس هو مما يؤخذ بالقياس ولا بالتأويل وقال القرطبي ( والقول الأول أظهر ، لأن
المقصود إظهار انفراده بالملك، عند انقطاع دعوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ
قد ذهب كل ملك وملكه ، وكل جبار ومتكبر وملكه ، وانقطعت نسبهم ودعاويهم ، وهذا أظهر
14-احوال الناس يوم القيامة: aا-لأتقياء : الذين ييسرون على المعسرين : عن أبي
هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كان رجل يداين الناس ،
فكان يقول لفتاه : إذا أتيت معسرا تجاوز عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا ، قال :
فلقي الله فتجاوز عنه ) رواه البخاري ومسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ( إن رجلا لم يعمل خيرا قط ، وكان يداين الناس فيقول
لرسوله : خذ ما تيسر ، واترك ما عسر ، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا. فلما هلك قال :
هل عملت خيرا قط ؟ قال : لا إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس فإذا بعثته
يتقاضى قلت له : خذ ما تيسر ، واترك ما عسر وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عنا ، قال
الله : قد تجاوزت عنك ( رواه لنسائي وابن حبان والحاكم بإسناد صحيح . وعن حذيفة
وعقبة بن عامر وأبي مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أتى الله عز
وجل بعبد من عباده آتاه الله مالا ، فقال له : ماذا عملت في الدنيا ؟ فقال : ما
عملت من شيء يار ب ، إلا أنك آتيتني مالا فكنت أبايع الناس وكان من خلقي أن أيسر
على الموسر وأنظر المعسر . قال الله تعالى : أنا أحق بذلك منك ، تجاوزوا عن عبدي )
رواه الحاكم بإسناد صحيح
15- حال الأتقياء : فضل الوضوء الذين استجابوا للرسول
صلى الله عليه وسلم وأقاموا الصلاة وأتوا بالوضوء كما أمرهم نبيهم يدعون يوم
القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار
الوضوء ) رواه البخاري ، قال ابن حجر :" (غرا ) جمع أغر ، أي ذو غرة ، وأصل
الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس ، ثم استعلمت في الجمال والشهرة وطيب الذكر ،
والمراد بها هنا النور الكائن في وجوه أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وغرا منصوب
على المفعولية ليدعون أو على الحال . أي أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد نودوا
بهذا الوصف ، وكانوا على هذه الصفة ، وقوله ( محجلين ) من التحجيل ، وهو ياض يكون
في ثلاث قوائم من قوائم الفرس ، واصله من الحجل بكسر الحال وهو الخلخال ، والمراد
به هنا أيضا النور" ، وهذه الغرة وذلك التحجيل تكون للمؤمن حلية في يوم
القيامة ، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) رواه مسلم وعن أبي الدرداء رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم
القيامة ، وأنا أول من يؤذن له أن يرفع رأسه ، فأنظر إلى ما بين يدي ، فأعرف أمتي
من بين الأمم ، ومن خلفي مثل ذلك ، وعن يميني مثل ذلك ، وعن شمالي مثل ذلك . فقال
رجل: يا رسول الله ، كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك ؟ قال : هم
غر محجلون من أثر الوضوء ، ليس أحد كذلك غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم
، وأعرفهم تسعى بين أيديهم ذريتهم ) رواه أحمد بإسناد صحيح
16- حال الأتقياء : الذين يشيبون في الإسلام : يكون
الشيب نورا لصاحبه إذا كان مسلما ي يوم القيامة ، كما صحت بذلك الأحاديث، عن كعب
بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من شاب شيبة في الإسلام كانت له
نورا يوم القيامة ) رواه الترمذي والنسائي . وروى البيهقي في شعب الإيمان بإسناد
حسن عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيب نور المؤمن
، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة ) ، وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
مرفوعا ( لا تنتفوا الشيب ، فإنه نور يوم القيامة ،من شاب شيبة في الإسلام كانت له
بكل شيبة حسنة ، ورفع بها درجة
) رواه ابن حبان بإسناد حسن . وروى ابن عدي والبيهقي في
الشعب عن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيب نور في وجه المسلم ،
فمن شاء فلينتف نوره)
17- الأتقياء : فضل المؤذنين : من الذين يظهر فضلهم يوم
القيامة المؤذنون ، فهم أطول الناس أعناقا في ذلك اليوم ، فعن معاوية بن أبي سفيان
قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم
القيامة ) رواه مسلم . وطول العنق جمال ، ثم هو مناسب لما قاموا به من عمل حيث
كانوا يبلغون الناس بأصواتهم كلمات الأذان التي تعلن التوحيد وتعلن الصلاة ،
والمؤذن يشهد له في ذلك اليوم كل شيء سمع صوته عندما كان يرفع صوته بالأذان في
الدنيا ، ورى البخاري في صحيحه أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال لعبدالرحمن بن
صعصعه ( إني أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأنت في الصلاة
فارفع بالنداء ، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم
القيامة )
18- الأتقياء : عتق الرقاب المسلمة من الأعمال الكريمة
التي يتمكن صاحبها من اقتحام العقبات الكأداء في يوم القيامة ، عتق الرقاب المسلمة
، قال تعالى ( فلا اقتحم العقبة ، وما أدراك ما العقبة ، فك رقبة ) ، وقد ساق ابن
كثير في تفسير هذه الآيات أحاديث منها: عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أيما مسلم أعتق رجلا مسلما ، فإن الله
جاعل وفاء كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار ، وأيما امرأة مسلمة اعتقت
امرأة مسلمة فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظامها من النار ) رواه ابن جرير .
وجاء في رواية عن الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من بنى لله
مسجدا ليذكر الله فيه بنى الله له بيتا في الجنة ، ومن أعتق نفسا مسلمة كانت فديته
من جهنم ، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ) ، وفي رواية أخرى
لأحمد( من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضوا بعضو ، ، ومن شاب شيبة في
الاسلام كانت له نورا يوم القيامة ، ومن رمى بسهم فبلغ فأصاب أو أخطأ كان كمعتق
رقبة من بني اسماعيل ) وروى أو داود والنسائي بعضه . وعن عقبة بن عامر الجهني أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من أعتق رقبة مسلمة فهو فداؤه من النار )
رواه أحمد . وفي رواية أخرى ( من أعتق رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار ) تفرد به أحمد من
هذا الوجه
19- الأتقياء : الكاظمون الغيظ :كثيرة هي المواقف
العصيبة التي يصيب العبد فيها الأذى ، وقد يكون مصدره قريب أو صديق أو محسن إليه ،
ولا شك أن الأذى المسموع أو المرئي أو المحسوس الذي يصيبنا يسبب لنا ألما في
أعماقنا ، فتجيش نفوسنا بأنواع الانفعالات التي تدعونا إلى المواجهة الحادة وضبط
النفس في مثل هذه الحالات لا يملكه إلا أفذاذ الرجال . إن الإسلام يعد كظم الغيظ
خلقا اسلاميا راقيا يستحق صاحبه التكريم فالجنة التي عرضها السماوات والأرض أعدت
للمتقين ، وكظم الغيظ في مقدمة صفات المتقين ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة
عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين
الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) . وفي يوم القيامة يدعو رب العزة
والجلال من كظم غيظه على رؤوس الخلائق ثم يخيره في أي الحور العين شاء، فعن سهل بن
معاذ بن جبل عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من كظم غيظا وهو يقدر
أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور العين شاء
) رواه
الترمذي
20- الأتقياء : الشهداء والمرابطون الشهيد لا يفزع يوم
القيامة عندما يفزع الناس ،فعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة
، ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ،
الياقوته منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ،
ويشفع في سبعين من أقربائه) رواه الترمذي . والشاهد في الحديث أن الشهيد يأمن من
الفزع الأكبر ، وهو فزع يوم القيامة ، ومثل الشهيد المرابط في سبيل الله ، فقد روى
الطبراني بإسناد صحيح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( رباط يوم
خير من صيام دهر ، ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر وغدى عليه
برزقه وريح من الجنة ، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله ) . ومن إكرام الله
للشهيد يوم القيامة أن الله يبعثه وجرحه يتفجر دما اللون لون دم ، والريح ريح مسك،
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( والذي نفسي بيده
لا يكلم أحد في سبيل الله ، والله أعلم بمن يكلم في سبيله ، إلا جاء يوم القيامة
اللون لون دم ، والريح ريح المسك) رواه البخاري . وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( من قاتل في سبيل الله فواق ناقه- ما
بين الحلبتين- فقد وجبت له الجنة ، ومن جرح جرحا في سبيل الله ، أو نكب نكبة ،
فإنها تجيء يوم القيامة كأغرز ما كانت ، لونها الزعفران ، وريحها المسك) رواه الترمذي
والنسائي وأبو داود بإسناد صحيح . قال ابن حجر : قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك
أن يكون معه شاهد بفضيلته ببذله نفسه في طاعة الله تعالى
21- الأتقياء : الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم
العادلون في يوم القيامة في مقام رفيع ، يجلسون على
منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله
عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر
من نور ، عن يمين الرحمن عز وجل ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم
وأهليهم وما ولوا ) رواه مسلم
22- الأتقياء : الذين يسعون في حاجة إخوانهم من أعظم ما
يفرج كربات العبد يوم القيامة سعي العبد في الدنيا في فك كربات المكروبين ،
ومساعدة المحتاجين ، والتيسير على المعسرين وإقالة عثرات الزالين ، فعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من نفس عن مسلم كربة من كرب
الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله
عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمر رضي الله
عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا
يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة ، فرج
الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا
والآخرة ) رواه البخاري . وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من نصر أخاه
بظهر الغيب نصره الله في الدنيا والآخرة) رواه البيهقي والدينوري
23- الأتقياء : الذين يظلهم الله في ظله عندما يكون
الناس في الموقف العظيم تحت وهج الشمس القاسي يذوقون من البلاء شيئا تنوء بحمله
الجبال الشم الراسيات يكون فريق من الأخيار هانئين في ظل عرش الرحمن ، لا يعانون
الكربات التي يقاسي منها الآخرون . وهؤلاء هم أصحاب الهمم العالية والعزائم
الصادقة وقد جاء وصف هؤلاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، الإمام
العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في
الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف
الله ، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا
ففاضت عيناه) رواه البخاري وقد جاءت نصوص كثيرة على إظلال الله للمتحابين فيه في
ظل عرشه في ذلك اليوم ومنها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم
أظلهم في ظلي ، يوم لا ظل إلا ظلي )رواه مسلم . والإظلال في ظل العرش ليس مقصورا
على السبعة المذكورين في الحديث ، فقد جاءت نصوص كثيرة تدل على أن الله يظل غيرهم
، وقد جمع ابن حجر العسقلاني الخصال التي يظل الله أصحابها في كتاب سماه ( معرفة
الخصال الموصلة إلى الظلال) ، ومن هذه الخصال : إنظار المعسر أو الوضع عنه ، ففي
صحيح مسلم ومسند أحمد عن أبي اليسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أنظر
معسرا أو وضع عنه ، أظله الله يوم القيامة ) ، وعن أبي قتادة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ) من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة ) رواه أحمد
24- الأتقياء : يفزع الناس ولا يفزعون صنف من عباد الله
لا يفزعون عندما يفزع الناس ،ولا يحزنون عندما يحزن الناس ، أولئك هم أولياء
الرحمن الذيم آمنوا بالله ، وعملوا بطاعته استعدادا لذلك اليوم، فيؤمنهم الله في
ذلك اليوم ، وعندما يبعثون من القبور تستقبلهم الملائكة تهدئ من روعهم وتطمئن
قلوبهم ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها وهم
في ما اشتهت أنفسهم خالدون ، لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم
الذي كنتم توعدون ) والفزع الأكبر هو ما يصيب العباد عندما يبعثون من القبور وفي
ذلك اليوم ينادي منادي الرحمن أولياء الرحمن مطمئنا لهم ( يا عباد لا خوف عليكم
اليوم ولا أنتم تحزنون ، الذين آمنوا وكانوا مسلمين ) وفي موضع آخر ( إلا إن
أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ، لهم البشرى
في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) والسر في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده
الأتقياء ، أن قلوبهم كانت في الدنيا عامرة بمخافة الله ، فأقاموا ليلهم ، وأظمؤوا
نهارهم ، واستعدوا ليوم الوقوف بين يدي الله فقال تعالى مخبرا عن مقالتهم ( إنا
نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) ومن كان هذا حاله وقاه الله شر ذلك اليوم ) فوقاهم الله شر
ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (عن شداد بن أوس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أجمع
لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن هو امنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، وإن هو
خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ) رواه أبو نعيم في الحلية وإسناده حسن
. قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)
25- من كذب في حلمه : يعاقب الذي يكذب في حلمه يوم
القيامة بأن يكلف بأن يعقد بين شعيرتين ، والذي يستمع إلى قوم وهم كارهون يعاقب
بأن يصب الآنك في أذنيه يوم القيامة ، والآنك الرصاص
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى
حديث قوم وهم له كارهون ، أو يفرون منه ، صب في أذنه الآنك يوم القيامة ( رواه
البخاري
26- الذي يسأل وله ما يغنيه :يبعث الذي يسأل الناس وله
ما يغنيه ، وفي وجهه خموش أو كدوش ، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ( من سأل وله ما يغنيه ، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو
خموشا أو كدوحا في وجهه . قيل يا رسول الله ، وما يغنيه ؟ قال : خمسون درهما أو
قيمتها من الذهب) رواه أبو داود والترمذي . وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة ) رواه
أحمد
27- الحاكم الذي يحتجب عن رعيته : عن أبي مريم الأزدي
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من ولي أمر المسلمين شيئا فاحتجب دون
خلتهم وحاجتهم ، وفقرهم ، وفاقتهم ، احتجب الله عنه يوم القيامة ، دون خلته وحاجته
وفاقته ، وفقره ) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم بإسناد صحيح
28- ذو الوجهين أشر الناس يوم القيامة المتلون الذي لا يثبت
على حال واحدة وموقف واحد ، فيأتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه ، فعن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تجدون شر الناس يوم القيامة ذا
الوجهين ، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) رواه البخاري ومسلم
وورد في بعض الأحاديث أن هذا الصنف من الناس يكون له
لسان من نار يوم القيامة ، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ( من كان له وجهان في الدنيا كان له لسان من نار يوم القيامة) رواه
أبو داود
29- غاصب الأرض : عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال
: قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم
القيامة إلى سبع أرضين ) رواه البخاري
30- الغلول : هو الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية ، وهو
ذنب يخفى تحته شيء من الطمع والأثرة ، وقد توعد الله تبارك وتعالى الغال بفضحه يوم
القيامة على رؤوس الأشهاد ، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم ( ومن يغلل يأت بما
غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) ، يقول القرطبي في تفسير
هذه الآية : أي يأتي به حاملا له على ظهره وعلى رقبته ، معذبا بحمله وثقله ،
ومرعوبا بصوته ، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد
ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من
الأموال العامة ، وقد وضح الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يحمل الغالون يوم القيامة
ما غلوه في أكثر من حديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فذكر الغلول فعظمه ، وعظم أمره ، ثم قال : ( لا
ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني
، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته
فرس له حمحمه ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد
أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، يقول: يا رسول
الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة
على رقبته نفس لها صياح ، فيقول يا رسول الله ، أغثني ، فأقول: لا أملك لك شيئا قد
أبلغتك. لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسه رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول
الله ، أغثني ، فاقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يوم القيامة
على رقبته صامت ، فيقول يا رسول الله أغثني ، فاقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ( متفق عليه وهذا
لفظ مسلم
وقد ساق ابن كثير في تفسيره الأحاديث المرهبة من الغلول
، ومنه أحديث غلول العمال من الصدقات ، وساق حديث أبي حميد الساعدي قال : ) استعمل رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدفة ، فجاء
فقال : هذا لكم وهذا أهدي لي. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال:
ما بال العامل نبعثه على عمل ، فيقول : هذا لكم وهذا لي ، أفلا جلس في بيت أبيه
وأمه ، فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده لا يأتي منه بشيء إلا جاء به
يوم القيامة على رقبته ، إن كان بعيرا له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تعير)
رواه البخاري ومسلم
31- فضيحة الغدر : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم( إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر
لواء ، فقيل : هذه غدرة فلان ابن فلان ) رواه مسلم . والغادر : الذي يواعد على أمر
ولا يفي به، واللواء : الراية العظيمة لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب ، أو صاحب
دعوة الجيش ، ويكون الناس تبعا له. فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته ، فيفضح
بذلك يوم القيامة، وتجعل هذه الراية عند مؤخرته ، فعن أبي سعيد قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ( لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة) رواه مسلم
وكلما كانت الغدرة كبيرة عظيمة كلما ارتفعت الراية التي
يفضح بها في يوم الموقف العظيم، فعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرا من أمير
عامة) رواه مسلم ، وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة ، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره
يتعدى إلى خلق كثير ، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى
الغدر. وقد كانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل ومواسم الحج ، وكذلك يطاف
بالجاني مع جنايته
32- الأثرياء المنعمون :الذين يركنون إلى الدنيا
ويطمئنون إليها ، ويكثرون من التمتع بنعيمها ، يضيق عليهم في يوم القيامة ، فقد
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي يكثر شبعه في الدنيا يطول جوعه يوم
القيامة ، ففي سنن الترمذي وسنن ابن ماجه ومستدرك الحاكم أن الرسول صلى الله عليه
وسلم قال لأحد أصحابه ( كف عن جشاءك ، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم
القيامة ) ، كما أخبر أن أصحاب المال الكثير والمتاع الدنيوي الواسع يكونون أقل
الناس أجرا في يوم القيامة ، مالم يكنوا قد بذلوا أموالهم في سبل الخيرات ، فعن
أبي ذر رضي الله عنه قال ( إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة ، إلا من أعطاه
الله تعالى خيرا ، فنفح فيه بيمينه وشماله ، وبين يديه وورائه ، وعمل فيه خيرا ) ، وقلة الحسنات تؤخرهم وتجعل الآخرين يتقدمونهم
بعدما كانوا في الدنيا مقدمين ، فعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة ، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وكسبه
طيب ( رواه ابن ماجه
والذين أثقلوا أنفسهم بالنعيم الدنيوي والغنى والثراء لا
يستطيعون أن يتجاوزا في يوم القيامة العقبات والأهوال . عن أم الدرداء قالت : قلت لأبي
الدرداء : ما لك لا تطلب كما يطلب فلان ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ( إن أمامكم عقبة كؤود لا يجوزها إلا المثقلون )
33- ذنوب لا يكلم الله أصحابها : وردت نصوص كثيرة ترهب
من ذنوب توعد الله من ارتكبها بأن لا يكلمه في يوم القيامة ولا يزكيه ، وله عذاب
أليم . فمن هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ، وهم الأحبار والرهبان
والعلماء الذين يكتمون ما عندهم من العلم ارضاء لحاكم أو تحقيقا لمصحلة أو طليا
لعرض دنيوي ، وقد قال الله في هؤلاء ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب
ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب
بالمغفرة فما أصبرهم على النار ) ، وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم أنه قال ( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار (
رواه أبو داود والترمذي ، ومن هؤلاء الذين يغضب الله عليهم يوم القيامة فلا يكلمهم
ولا يوكيهم ولهم عذاب أليم الذين ينقضون ما عاهدوا الله عليه ويشترون بأيمانهم
ثمنا قليلا ، قال تعالى ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا
خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم)، وقد ساق ابن كثير أحاديث كثيرة تتعلق بهذه الآية منها عن أبي ذر رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر
إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. قلت يا رسول الله ، من هم ؟ خسروا
وخابوا. قال : وأعاده رسول الله ثلاث مرات، قال : المسبل ، والمنفق سلعته بالحلف
الكاذب ، والمنان ) رواه مسلم وأهل السنن . ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن
عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حلف على يمين وهو فيها فاجر
ليقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله - عز وجل- وهو عليه غضبان) ، وعن أبي هريرة
رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم
القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل منع ابن السبيل فضل ماء
عنده ، ورجل حلف على سلعته بعد العصر ، يعني كاذبا ، ورجل بايع إماما ، فإن أعطاه
وفى له ، وإن لم يعطه لم يف له ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود :ومن الذنوب التي
توعد الله عليها بعدم تكليم أصحابها ،وعدم النظر إليه وترك تزكيته ، غير ما تقدم ،
الشيخ الزاني والملك الكذاب ، والعائل ( أي الفقير) المستكبر والعاق لوالديه ،
والمرأة المتشبهة بالرجال ، والديوث ، ومن أتى إمرأته في دبرها ، ومن جر ثوبه
خيلاء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا يكلمهم
الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك
كذاب ، وعائل مستكبر ) رواه مسلم والنسائي ، وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة : العاق
لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث) رواه أحمد والنسائي
والحاكم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (
إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه) رواه النسائي وعن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( لا ينظر الله يوم القيامة إلى من
جر ثوبه بطرا ) رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
) الإسبال في الإزار والقميص والعمامة ، من جر منها شيئا تخيلا لم ينظر الله إليه
يوم القيامة ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه
34- المتكبرون : الكبر جريمة كبرى في حكم الله وشرعه ،
والله يبغض أصحابها أشد البغض ، وعندما يبعث الله العباد يحشر المتكبرين في صورة
مهينة ذليلة ، ففي الحديث الذي يرويه الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ( يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة ، في صور الرجال
يغشاهم الذل من مكان) ، والذر صغار النمل ، وصغار النمل لا يعبأ به الناس ،
فيطؤونه بأرجلهم وهم لا يشعرون . وكما يبغض الله المتكبرين يبغض أسماءهم التي
كانوا يطلقونها على أنفسهم استكبارا واستعلاء ، وتصبح هذه الأسماء التي كانوا يفرحون
عند سماعها أنكر الأسماء وأخبثها ، وأغيظها على الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( أخنع اسم عند الله يوم القيامة ، رجل تسمى ملك
الأملاك ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وزاد مسلم في رواية ( لا مالك إلا الله عز
وجل ) ، قال القاضي عياض : أخنع : معناه أشد الأسماء صغارا ، وقال ابن بطال : وإذا
كان الاسم أذل الأسماء ، كان من تسمى به أشد ذلا
35- الذين لا يؤدون الزكاة : من حقوق الله الكبرى الزكاة
وهي حق المال ، والذين لا يؤدون زكاة أموالهم يعذبون بهذه الأموال في الموقف
العظيم، وقد أخبرت النصوص أن عذابهم بها على وجوه:
الأول : أن يمثل لصاحب المال ماله شجاعا أقرع ، له
زبيبتان ، فيطوق عنقه ، ويأخذ بلهزمتي صاحبه ، قائلا له أنا مالك أنا كنزك ، فعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( من آتاه الله
مالا فلم يؤد زكاته ، مثل ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان ، يطوقه يوم
القيامة ثم يقول أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم
الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) رواه
البخاري
الثاني :أن يؤتى بالمال نفسه الذي منع زكاته ، فإن كان
من الذهب والفضة جعل صفائح من نار ، ثم عذب به صاحبه ، وإن كان المال حيوانا ،
إبلا أو بقرا أو غنما ، أرسل على صاحبه فعذب به ، قال تعالى ( والذين يكنزون الذهب
والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ، يوم يحمى عليها في نار جهنم
فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها ، إلا إذا كان يوم
القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم ، فيكوى بها جنبه وجبينه
وظهره ، كلما بردت أعيدت عليه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين
العباد ، فيرى سبيله ، إما إلى جنة وإما إلى نار)، قيل يا رسول الله ، فالإبل ؟
قال : ( ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ، ومن حقها حلبها يوم ورودها ، إلا إذا
كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، أوفر ما كنت ، لا يفقد منها فصيلا واحدا ،
تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار
) ، قيل يا رسول الله ، فالبقر والغنم ؟ قال : ( ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي
فيها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، لا يفقد منها شيئا ، ليس
فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء ، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها ، كلما مر عليه
أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى الله بين
العباد ، فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار ) رواه مسلم
36- الكفار : تخاصم أهل النار : عندما يعاين الكفرة
أعداء الله ما أعد لهم من العذاب يمقتون أنفسهم كما يمقتون أحبابهم وخلانهم في
الحياة الدنيا ، قال تعالى ) الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) ، وعند
ذلك يخاصم أهل النار بعضهم بعضا ، ويحاج بعضهم بعضا ، العابدون المعبودين ،
والأتباع السادة المتبوعين ، والضعفاء المتكبرين ، والإنسان قرينه ، بل يخاصم
الكافر أعضاءه
مخاصمة العابدين المعبودين : قال تعالى ( وبرزت الجحيم للغاوين
، وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون ، من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون ، فكبكبوا
فيها هم والغاوون ، وجنود إبليس أجمعون ، قالوا وهم فيها يختصمون ، تالله إن كنا
لفي ضلال مبين ، إذ نسويكم برب العالمين ، وما أضلنا إلا المجرمون ) . أما الصالحون
الذين عبدوا وهم لا يعلمون ، أو عبدوا بغير رضاهم كالملائكة وصالحي البشر ، فإنهم
يبرؤون من عابديهم ، كما بين ذلك في قوله تعالى ( ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول
للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ، قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا
يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون) وكذلك عيسى بن مريم يتبرأ في يوم الدين من الذين
اتخذوه إلها وعبدوه من دون الله ( وإذ قال الله يا عيسى بن مريم ءأنت قلت للناس
اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن
كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما
قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم )
تخاصم الأتباع مع قادة الضلال قال تعالى ( فإنما هي زجرة
واحدة فإذا هم ينظرون ، وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ، هذا يوم الفصل الذي كنتم
به تكذبون ، احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ، من دون الله فاهدوهم
إلى صراط الجحيم ، وقفوهم إنهم مسؤلون ، مالكم لا تناصرون ، بل هم اليوم مستسلمون
، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ، قالوا بل
لم تكونوا مؤمنين ، وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين ، فحق علينا
قول ربنا إنا لذائقون ، فأغويناكم إنا كنا غاوين ، فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون
، إنا كذلك نفعل بالمجرمين ، إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون)
مخاصمة الضعفاء للسادة من الملوك والأمراء قال تعالى ( وبرزوا لله جميعا
فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من
شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص) ،
وفي موضع آخر يخبر سبحانه عن تخاصمهم ومحاججتهم بعضهم لبعض ( وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء
للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار ، قال الذين
استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد) ، وبعد انقضاء الأمر يظهر راس
الكفر والغواية إبليس لعنه الله خطيبا على أتباعه كما جاء في قوله تعالى مخبرا عن
هذا الموقف ( وقال الشيطان لما قضي إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما
كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما
أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب
أليم) وفي موضع آخر جاء وصف مخاصمة الضعفاء للمستكبرين ( ولو ترى إذ الظالمون
موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا
لولا أنتم لكنا مؤمنين ، قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى
بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين ، وقال الذين استضعفوا للذن استكبروا بل مكر اليل
والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا
العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ) ، وفي
موضع آخر يصف الحق هذا التخاصم ( هذا وإن للطاغين لشر مآب ، جهنم يصلوناه فبئس المهاد
، هذا فليذوقوه حميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، ، هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا
بهم إنهم صالوا النار ، قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار
، قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا من النار، وقالوا ما لنا لا نرى
رجالا كنا نعدهم من الأشرار ، أتخذناهن سخريا أم زاغت عنهم الأبصار ، إن ذلك لحق
تخاصم أهل النار )
التخاصم بين الكافر وقرينه الشيطان
قال تعالى ( وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ، ألقيا في جهنم
كل كفار عنيد ، مناع للخير معتد مريب ، الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في
العذاب في الشديد ، قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ، قال لا
تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد) ومخاصمة المرء
أعضاءه :قال تعالى ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون ، حتى إذا ما
جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون ، وقالوا لجلودهم لم
شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون )
مخاصمة البدن للروح : قال ابن كثير : [ وقد روى ابن مندة
في كتاب " الروح " عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يختصم الناس
يوم القيامة حتى تختم الروح مع الجسد ، فتقول الروح للجسد : أنت فعلت. ويقول الجسد
للروح : أنت أمرت وأنت سولت. فيبعث الله ملكا يفصل بينهما ، فيقول لهما : إن
مثلكما كمثل رجل مقعد بصير ، ، والآخر ضرير دخلا بستانا ، فقال المقعد للضرير : إني أرى هاهنا
ثمارا ، ولكن لا أصل إليها. فقال له الضرير : اركبني فتناولها ، فركبه فتناولها .
فأيهما المعتدي؟ فيقولان : كلاهما . فيقول الملك لهما : فإنكما قد حكمتما على
أنفسكما . يعني أن الجسد للروح كالمطية ، وهو راكبه )
الكفار يمقتون أنفسهم : قال تعالى ( إن الذين كفروا
ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون ) ، كما
يمقتون كل الذين كانوا لهم أنصارا وخلانا في الدنيا ( وقال الذين كفروا ربنا أرنا
الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين)، وقال تعالى
( كلما
دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء
أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار) 37- الكفار: إحباط أعمالهم
أعمال الكفار قسمان : قسم : هو طغيان وبغي وإفساد في
الأرض ونحو ذلك ، فهذه أعمال باطلة فاسدة لا يرجو أصحابها من ورائها خيرا ، ولا
يتوقعون عليها ثوابا . وقد شبه القرآن هذه الأعمال بالظلمات فقال تعالى ( أو
كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا
أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) والقسم الثاني: أعمال يظنون أنها
تغني عنهم من الله شيئا ، كالصدقة والعتاق وصلة الأرحام والإنفاق في سبل الخير ،
وقد ضرب الله لهذه الأعمال امثلة فشبهها في بعض المواضع بالسراب فقال تعالى )
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا
ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) ، وشبهها في موضع آخر بالرياح
الشديدة الباردة تهب على الزروع والثمار فتدمرها فقال تعالى ( مثل ما ينفقون في
هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم
الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون ) ، والصر : البرد الشديد ، وهذه الرياح الباردة هي
الكفر والشرك التي تحرق أعمالهم الصالحة ، وشبهها في موضع ثالث بالرماد الذي جاءته
ريح عاصف فذرته في كل مكان ، فكيف يستطيع صاحبه جمعه بعد تفرقه !! قال تعالى ( مثل
الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا
على شيء ذلك هو الضلال البعيد) ولذلك فإن الله يجعل أعمال الكفار هباء منثورا (
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) ، وقال تعالى في موضع آخر في
وصف حال من ظن أنه على خير( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا ، الذين ضل سعيهم في
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه
فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا، ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا
آياتي ورسلي هزوا ) ، وقد سأل مصعب بن سعد بن أبي وقاص أباه عن الأخسرين أعمالا
فقال : هم اليهود والنصارى
38- الكفار: ذلتهم وهوانهم ، هذه بعض النصوص التي تصف
بعض المشاهد يوم القيامة
المشهد الأول : قال تعالى : ( يوم يخرجون من الأجداث
سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا
يوعدون)
المشهد الثاني : وقال تعالى : ( فتول عنهم يوم يدع الداع
إلى شيء نكر ، خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، مهطعين إلى
الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر
)
المشهد الثالث :وقال تعالى : ( ونفخ في الصور فإذا هم من
الأجداث إلى ربهم ينسلون ، قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا )
المشهد الرابع :وقال تعالى :( ولا تحسبن الله غافلا عما
يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد
إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء )
المشهد الخامس : قال تعالى : ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ
القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)
المشهد السادس : قال تعالى : ( يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ، وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد ،
سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار)
المشهد السابع : عن المقداد بن الأسود قال : سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ( تدني الشمس يوم القيامة من الخلق ، حتى تكون منهم كمقدار
ميل ) ، قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل ؟ أمسافة الأرض ؟ أم
الميل الذي تكتحل به العين . قال ( فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم
من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم
من يلجمه العرق إلجاما )، قال وأشار رسول الله بيده إلى فيه. رواه مسلم
المشهد الثامن :قال تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه
يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ، لقد
أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا )
المشهد التاسع : قال تعالى : ( ويوم تقوم الساعة يبلس
المجرمون (
المشهد العاشر : قال تعالى : ( يومئذ يود الذين كفروا
وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ) ، وقال ( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا)
39- كسوة العباد في يوم المعاد : يحشر الله العباد يوم
القيامة حفاة عراة غرلا ، كما صحت بذلك الأحاديث ، ثم يكسى العباد ، فالصالحون
يكسون الثياب الكريمة ، والطالحون يسربلون بسرابيل القطران ، ودروع الجرب ، ونحوها
من الملابس المنكرة الفظيعة . وأول من يكسى من عباد الله نبي الله إبراهيم خليل
الرحمن ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أول
الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل ) رواه البخاري . قال ابن حجر : وأخرج
البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد ( وأول من يكسى من الجنة إبراهيم ،
يكسى حلة من الجنة ، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ، ثم يؤتى بي فأكسى حلة من
الجنة لا يقوم لها البشر )
وذكر العلماء أن تقديم إبراهيم على غيره بالكسوة في يوم
القيامة ، لأنه لم يكن في الأولين والآخرين أخوف لله منه ، فتعجل له الكسوة أمانا
له ليطمئن قلبه . ويحتمل لأنه - كما جاء في الحديث - أول من لبس السراويل إذا صلى
مبالغة في التستر وحفظا لفرجه من أن يماس مصلاه ، ففعل ما أمر به ، فجزي بذلك أن
يكون أول من يستر يوم القيامة ، ويحتمل أن الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا
ثيابه على أعين الناس ، كمن يراد قتله ، فجزي بكسوته في يوم القيامة أول الناس على
رؤوس الأشهاد ، وهذا أحسنها
40- أرض المحشر : الأرض التي يحشر العباد عليها في يوم
القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض ، قال تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات
وبرزوا لله الواحد القهار ) ، وعن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ) قال سهل أو غيره
: ليس فيها معلم لأحد . رواه البخاري ومسلم ، قال الخطابي : العفر : بياض ليس بناصع.
وقال عياض : العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلا. وقال ابن فارس : معنى عفراء خالصة
البياض ، والنقي : بفتح النون وكسر القاف ، أي الدقيق النقي من الغش والنخال ،
والمعلم : العلامة التي يهتدي بها الناس إلى الطريق ، كالجبل والصخرة ، وقد جاءت
نصوص كثيرة عن عدة من الصحابة تفيد هذا المعنى، فقد جاء عن عبدالله بن مسعود في
قوله تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) قال : تبدل الأرض أرضا كأنها الفضة لم
يسفك عليها دم حرام ، ولم يعمل عليها خطيئة ، وجاء في حديث الصور الصور الطويل (
تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ، ويمدها مد الأديم العكاظي ،
لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه
الأرض المبدلة ، في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما
كان على ظهرها كان على ظهرها ) ، وذهب بعض أهل العلم أن الذي يبدل من الأرض هو
صفاتها فحسب ، فمن ذلك حديث عبدالله بن عمرو الموقوف عليه ، قال ( إذا كان يوم
القيامة مدت الأرض مد الأديم ، وحشر الخلائق) ، ومنها حديث ابن عباس في تفسير قوله
تعالى ( يوم تبدل الأرض غير الأرض ) ، قال : يزاد فيها وينقص منها ، ويذهب آكامها
وجبالها ، وأوديتها ، وشجرها ، وتمد مد الأديم العكاظي
الوقت الذي تبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات
أخبر عليه الصلاة والسلام أن الوقت الذي يتم فيه هذا التبديل
هو وقت مرور الناس على الصراط أو قبل ذلك بقليل ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل ( يوم تبدل الأرض غير الأرض
والسماوات ) ، فأين يكون الناس يا رسول الله ؟ فقال : على الصراط) رواه مسلم . وعن ثوبان أن
حبرا من أحبار اليهود سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم
تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هم في
الظلمة دون الجسر ) رواه مسلم ، والمراد بالجسر أي الصراط
41- صفة حشر العباد : يحشر الله العباد حفاة عراة غرلا أي
غير مختونين ، ففي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ) ثم قرأ ( كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا
علينا إنا كنا فاعلين ) ، وعندما سمعت عائشة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ) يحشر الناس يوم
القيامة حفاة عراة غرلا ) قالت : يا رسول الله ، الرجال والنساء جميعا ، ينظر
بعضهم إلى بعض ؟ قال : ياعائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) متفق عليه : وقد
جاء في بعض النصوص أن كل إنسان يبعث في ثيابه التي مات فيها ، فقد روى أبو داود
وابن حبان والحاكم عن أبي سعيد الخدري أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد ، فلبسها
، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الميت يبعث في ثيابه
التي يموت فيها ) وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي . وقد وفق
البيهقي بين الحديثين السابقين بثلاثة أوجه :
الأول : أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم ، فإذا وافوا
الموقف يكونون عراة ثم يلبسون من ثياب الجنة
الثاني : أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ، ثم من
بعدهم على مراتبهم فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه ، ثم إذا دخلوا الجنة
لبسوا من ثياب الجنة
الثالث : أن المراد بالثياب هاهنا الأعمال ، أي يبعث في
أعماله التي مات فيها من خير أو شر ، قال الله تعالى ( ولباس التقوى ذلك خير ) ، وقال ( وثيابك فطهر) . واستشهد البيهقي على هذا
الجواب الأخير بحديث الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) رواه مسلم ، ولا يفقه من هذا الحديث أن
العبد يبعث في ثيابه التي كفن فيها أو مات فيها ، وإنما يبعث على الحال التي مات
عليها من الإيمان أو الكفر واليقين والشك ، كما يبعث على العمل الذي كان يعمله عند
موته يدل على هذا ما رواه عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلمي قول ( إذا أراد اله بقوم عذابا ، أصاب العذاب من كان فيهم ، ثم بعثوا على
أعمالهم ) رواه مسلم . وجاء أن الذي يموت وهو محرم يبعث يوم القيامة ملبيا ، فعن
عبدالله بن عباس قال : إن رجلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقصته ناقته وهو
محرم فمات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في
ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) رواه
البخاري ومسلم . والشهيد يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب اللون لون دم والريح ريح
المسك. ومن هنا استحب تلقين الميت لا إله إلا الله ، لعله يموت على التوحيد ، ثم
يبعث يوم القيامة ناطقا بهذه الكلمة الطيبة
42- حشر الخلائق جميعا إلى الموقف : سمى الله سبحانه
وتعالى يوم القيامة بيوم الجمع ، لأن الله يجمع العباد فيه جميعا ( ذلك يوم مجموع
له الناس وذلك يوم يوم مشهود) ويستوي في هذا الجمع الأولون والآخرون ( قل إن
الأولين والآخرين لمجمعون إلى ميقات يوم معلوم) . وقدرة الله تعالى تحيط بالعباد
فالله لا يعجزه شيء ، وحيثما هلك العباد فإن الله قادر على الإتيان بهم ، إن هلكوا
في أجواز الفضاء ، أو غاروا في أعماق الأرض ، وإن أكلتهم الطيور الجارحة أو
الحيوانات المفترسة ، أو أسماك البحار أو غيبوا في قبورهم في الأرض ، كل ذلك عند
الله سواء ( أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير ) . وكما
أن قدرة الله محيطة بعباده تأتي بهم حيثما كانوا ، فكذلك علمه محيط بهم ، فلا ينسى
منهم أحد ، ولا يضل منهم أحد ولا يشذ منهم أحد ( إن كل من في السماوات والأرض إلا
آتي الرحمن عبدا ، لقد أحصاهم وعدهم عدا ، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا )ا وقال
تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (وهذه النصوص بعمومها تدل على حشر جميع
الخلائق الإنس والجن والملائكة ، ولا حرج على من فقه منها أن الحشر يتناول البهائم
أيضا . وقد اختلف أهل العلم في حشر البهائم ، فذهب ابن تيميه رحمه الله تعالى ،
إلى أن البهائم تحشر مع الخلائق يوم القيامة قال تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) ، وقال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير
بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) ، وقال
تعالى ( ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا
يشاء قدير) وحرف " إذا "
إنما يكون دلالة لما يأتي لا محالة . وحكى القرطبي خلاف
أهل العلم في حشر البهائم ، ورجح أن ذلك كائن للأخبار الصحيحة في ذلك ، قال
القرطبي : ( واختلف الناس في حشر البهائم وفي قصاص بعضها من بعض ، فروى ابن عباس
أن حشر البهائم موتها ، وقاله الضحاك . وروي عن ابن عباس في رواية أخرى أن البهائم
تحشر وتبعث ، وقاله أبو ذر وأبو هريرة وعمرو بن العاص ، والحسن البصري وغيرهم، وهو
الصحيح لقوله تعالى ( وإذا الوحوش حشرت ) ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : يحشر الله
الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والطير والدواب وكل شيء ، فيبلغ من عدل الله أن
يأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا ، فذلك قوله تعالى حكاية عن الكفار
( ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) ، ونحوه- 43-أول من تنشق عنه الأرض : أول من
يبعث وتنشق عنه الأرض هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول
من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ...... وأول مشفع ) رواه مسلم ، وفي صحيح البخاري
ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( استب رجل من المسلمين ، ورجل من اليهود ،
فقال المسلم : والذي اصطفى محمد على العالمين ، فقال اليهودي : والذي اصطفى
موسى على العالمين ، فرفع المسلم عند ذلك يده ، فلطم اليهودي ، فذهب اليهودي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الذي كان من أمره وأمر المسلم ، فقال: لا
تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون ، فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطش بجانب
العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق ، أو كان ممن استثنى الله عز وجل ) ، وفي رواية
لهما ( ....... فإنه ينفخ في الصور ، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من
شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من يبعث ، فإذا موسى آخذ بالعرش ، فلا أدري
: أحوسب بصعقة الطور ، أم بعث قبلي
)
44- البعث خلق جديد : يعيد الله العباد أنفسهم ، ولكنهم
يخلقون خلقا مختلفا شيئا ما عما كانوا عليه في الحياة الدنيا ، فمن ذلك أنهم
لايموتون مهما أصابهم البلاء ( ويأتيه الموت من كل مكان وماهو بميت )، وفي الحديث
عن عمرو بن ميمون الأودي قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : ( يا بني أود إني رسول
رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلمون المعاد إلى الله ، ثم إلى الجنة أو النار ،
وإقامة لا ظعن فيه ، وخلود لا موت ، في أجساد لا تموت ) رواه الحاكم والطبراني .
ومن ذلك إبصار العباد مالم يكونوا يبصرون ، فإنهم يبصرون في ذلك اليوم الملائكة
والجن ، وما الله به عليم ، ومن ذلك أن أهل الجنة لا يبصقون ولا يتغوطون ولا
يتبولون وهذا لا يعني أن الذين يبعثون في يوم الدين خلق آخر غير الخلق الذي كان في
الدنيا ، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى ( والنشأتان نوعان تحت جنس : يتفقان
ويتماثلان ويتشابهان من وجه ، ويفترقان ويتنوعان من وجه آخر ، ولهذا جعل المعاد هو
المبدأ ، وجعله مثله أيضا فباعتبار اتفاق المبدأ والمعاد فهو هو ، وباعتبار ما بين
النشأتين من الفرق فهو مثله ، وهكذا كل ما أعيد ، فلفظ الإعادة يقتضي المبدأ
والمعاد ....)
45-والنشور: المراد بالبعث المعاد الجسماني ، وإحياء
العباد في يوم المعاد، والنشور مرادف للبعث في المعنى، يقال : نشر الميت نشورا إذا
عاش بعد الموت ، وأنشره الله أي أحياه . وقد جاءت بعض الأحاديث مخبرة أنه يسبق
النفخة الثانية في الصور نزول ماء من السماء فتنبت منه أجساد العباد ، ففي صحيح مسلم
عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثم ينفخ في الصور ،
فلا يسمعه أحد إلا أصغى ورفع ليتا. قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله ، قال :
فيصعق ويصعق الناس. ثم يرسل الله - أو قال: ينزل الله - مطرا كأنه الطل أو الظل
فتنبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون) رواه مسلم /وإنبات الأجساد من
التراب بعد إنزال الله ذلك الماء الذي ينبتها يماثل إنبات النبات من الأرض إذا نزل
عليها لماء من السماء في الدنيا، ولذا فإن الله سبحانه قد أكثر في كتابه من ضرب
المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات كما قال تعالى ( وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي
رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل
الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون
) والإنسان يتكون في اليوم الآخر من عظم صغير عندما
يصيبه الماء ينمو نمو البقل، هذا العظم الذي هو عجب الذنب ، وهو عظم الصلب
المستدير الذي في أصل العجز ، وأصل الذنب. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بين النفختين أربعون ، ثم ينزل من السماؤ ماء ،
فينبتون كما ينبت البقل ، ولي في الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عظم واحد وهو عجب
الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة)
رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لأبي داود والنسائي
ومالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب ،
منه خلق ، وفيه يركب ) ، وقد دلت الأحاديث الصحيحة أن أجساد الأنبياء لا يصيبها
البلى والفناء ( إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) رواه أبو داود
46- تصوير القرطبي لمشهد الحساب : ( فإذا بعث العباد من
قبورهم إلى الموقف ، وقاموا فيه ما شاء الله ، حفاة عراة ، وجاء وقت الحساب الذي
يريد الله أن يحاسبهم فيه ، أمر بالكتب التي كتبها الكرام الكاتبون بذكر أعمال
الناس فأتوها ، فمنهم من يؤتى كتابه بيمينه ، فأؤلئك هم السعداء ومنهم من يؤتى
كتابه بشماله أو وراء ظهره ، وهم الأشقياء ، فعند ذلك يقرأ كل كتاب به ,. فتوهم نفسك يا
أخي إذا تطايرت الكتب ، ونصبت الموازين ، وقد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق : أين
فلان بن فلان ؟ هلم إلى العرض على الله تعالى . وقد وكلت الملائكة بأخذك ، فقربتك
إلى الله ، لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك ، إذ عرفت أنك المراد
بالدعاء إذا قرع النداء قلبك ، فعلمت أنك المطلوب ، فارتعدت فرائصك ، واضطربت جوارحك
، وتغير لونك ، وطار قلبك ، تخطى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه ، والوقوف بين يديه
، وقد رفع الخلائق إليك أبصارهم ، وأنت في أيديهم ، وقد طار قلبك ، واشتد رعبك ،
لعلمك أين يراد بك.
فتوهم نفسك ، وأنت بين يدي ربك ، في يدك صحيفة مخبرة
بعملك ، لا تغادر بلية كتمتها ، ولا مخبأة أسررتها ، وأنت تقرأ ما فيها بلسان كليل
، وقلب منكسر ، والأهوال محدقة بك من بين يديك ومن خلفك ، فكم من بلية قد كنت
نسيتها ذكرتها ! وكم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها وأبداها ! وكم من عمل ظننت
أنه سلم لك وخلص فرده عليك في ذلك الموقف وأحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً ! فيا
حسرة قلبك ، ويا اسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك .
فأما من أوتي كتابه بيمينه ، فعلم أنه من أهل الجنة ،
فيقول : هاؤم اقرءوا كتابيه ، وذلك حين يأذن الله ، فيقرأ كتابه ، فإذا كان الرجل
رأسا في الخير يدعو إليه ، ويأمر به ، ويكثر تبعه عليه ، دعي باسمه واسم أبيه ،
فيتقدم حتى إذا دنى أخرج له كتاب أبيض ، في باطنه السيئات ، وفي ظاهره الحسنات ،
فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق ويصفر وجهه ويتغير لونه ، ف‘ذا بلغ آخر الكتاب ، وجد
فيه : هذه سيئاتك ، وقد غفرت لك ، فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً ، ثم يقلب كتابه
فيقرأ حسناته ، فلا يزداد إلا فرحاً ، حتى إذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه
حسناتك ، قد ضوعفت لك ، فيبيض وجهه ، ويؤتى بتاج ، فيوضع على رأسه ، ويكسى حلتين ،
ويحلّى كل مفصل فيه ، ويطول ستين ذراعاً ، وهي قامة آدم . ويقال له : انطلق إلى
أصحابك فبشرهم ، وأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا ، فإذا أدبر قال : ( هاؤم
اقرءاو كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه ) قال الله تعالى : ( فهو في عيشة راضية
) أي
مرضية ، قد رضيها ( في جنة عالية ) في السماء ، ( قطوفها ) ثمارها وعناقيدها ( دانية ) أدنيت
منهم . فيقول لأصحابه : هل تعرفوني ؟ فيقولون : قد غمرتك كرامة الله ، من أنت ؟
فيقول : أنا فلان بن فلان ، ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا ( كلوا واشربوا هنيئاً بما
أسلفتم في الأيام الخالية ) أي قدمتم في أيام الدنيا. وإذا كان الرجل رأساً في
الشر يدعو إليه ، ويأمر به ، فيكثر تبعه عليه ، ونودي باسمه واسم أبيه ، فيتقدم
إلى حسابه ، فيخرج له كتاب أسود ، بخط أسود ، في باطنه الحسنات ، وفي ظاهره
السيئات ، فبدأ بالحسنات فيقرؤها ، ويظن أنه سينجو ، فإذا بلغ آخر الكتاب ، وجد
فيه : هذه حسناتك ، وقد ردت عليك ، فيسود وجهه ، ويعلوه الحزن ، ويقنط من الخير ،
ثم يقلب كتابه ، فيقرأ سيئاته ، فلا يزداد إلا حزناً ، ولا يزداد وجهه إلا سواداً
. فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه سيئاتك ، وقد ضوعفت عليك ، أي يضاعف عليه
العذاب ، ليس المعنى أنه يزداد مالم يعمل . قال فيعظم إلى النار ، وتزرق عيناه ،
ويسود وجهه ، ويكسى سرابيل القطران . ويقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل
إنسان منهم مثل هذا ، فينطلق وهو يقول : ( ياليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما
حسابيه ، ياليتها كانت القاضية ) يعني الموت ( هلك عني سلطانيه ) تفسير ابن عباس
رضي الله عنهما : هلكت عني حجتي . قال الله تعالى : ( خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه
) أي اجعلوه يصلى الجحيم ( ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ) قيل : يدخل عنقه
فيها ، ثم يجربها ، ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لذاب . فينادي أصحابه فيقول :
هل تعرفوني ؟ فيقولون : لا ، ولكن قد نرى ما بك من الحزن . فمن أنت ؟ فيقول : أنا
فلان بن فلان ، لكل إنسان منكم مثل هذا . وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ، تخلع
كتفه اليسرى ، فيجعل يده خلفه ، فيأخذ بها كتابه . وقال مجاهد : يحول وجهه في موضع
قفاه ، فيقرأ كتابه كذلك . فتوهم نفسك إن كنت من السعداء ، وقد خرجت على الخلائق
مسرور الوجه ، قد حل بك الكمال والحسن والجمال ، كتابك في يمينك ، أخذ بضبعيك ملك
ينادي على رؤوس الخلائق : هذا فلان بن فلان ، سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً .
وأما إن كنت من أهل الشقاوة ، فيسود وجهك ، وتتخطى الخلائق كتابك في شمالك ، أو من
وراء ظهرك ، تنادي بالويل والثبور ، وملك أخذ بضبعيك ينادي على رؤوس الخلائق : ألا
إن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بها أبداً .
47- أنواع الحساب : يتفاوت حساب العباد فبعض العباد يكون
حسابهم عسيرا وهؤلاء هم الكفرة المجرمون الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا
، وتمردوا على شرع الله وكذبوا الرسل وبعض عصاة الموحدين قد يطول حسابهم ويعسر
بسبب كثرة الذنوب وعظمها وبعض العباد يدخلون الجنة بغير حساب وهم فئة قليلة لا
يجاوزون السبعين ألفا ، وهم الصفوة من هذه الأمة ،والقمم الشامخة في الإيمان
والتقى والصلاح والجهاد. وبعض العباد يحاسبون حسابا يسيرا وهؤلاء لا يناقشون
الحساب ، أي لا يدقق ولا يحقق معهم ، وإنما تعرض عليهم ذنوبهم ثم يتجاوز لهم عنها،
وهذا معنى قوله تعالى ( وأما من أوتي كتابه بيمينه ، فسوف يحاسب حسابا يسيرا ) ، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال ( ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك ، فقلت : يا رسول الله ، اليس
قد قال الله تعالى ( فأما من أوتي كتابه بيمينه ، فسوف يحاسب حسابا يسيرا) فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض ، وليس أحد يناقش الحساب يوم
القيامة إلا هلك )
48- أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله : أول ما يحاسب
عليه العبد من حقوق الله تبارك وتعالى الصلاة ، فإن صلحت أفلح ونجح وإلا خاب وخسر
، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أول ما
يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته ، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح ، وإن فسدت
فقد خاب وخسر ، فإن انتقص من فريضته شيئا قال الرب تبارك وتعالى : انظروا هل لعبدي
من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ، ثم يكون سائر علمه على ذلك ) رواه
الترمذي والنسائي ،وعن ابي هريرة ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن أول ما يحاسب الناس
به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة ، قال : يقول ربنا عز وجل لملائكته : انظروا في
صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان انتقص منها شيئا
، قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ، فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ
الأعمال بعد ذلك ) رواه ابو داود ، فالصلاة هي أول ما يحاسب عليه العبد من حقوق
الله تبارك وتعالى ، والدماء هي أول شيء يقضى فيه من حقوق العباد فيما بينهم
49- القواعد التي يحاسب العباد على أساسها ، القاعدة
الأولى : العدل التام الذي لا يشوبه ظلم
قال تعالى ( ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) فيوفيهم الحق عز
وجل يوم القيامة أجورهم كالمة غير منقوصة وإن كان مثقال حبة من خردل، قال تعالى (
إن الله لا يظلم مثقال ذرة) ، وقال تعالى في موضع آخر ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا
يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)، ثم يكون الجزاء الحق من الحق تبارك وتعالى (
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون
نقيرا )
القاعدة الثانية : لا يؤخذ أحد بجريرة غيره قال تعالى ( ولا تكسب كل نفس
إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرىثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون
) ، وهذا هو العدل الذي لا عدل فوقه ، فالمهتدي يقطف ثمار هدايته ، والضال ضلاله
على نفسه ( من اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما
كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) ، وهذه القاعدة العظيمة التي اتفقت الرسالات السماوية
على تقريرها ، قال تعالى ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى ، وإبراهيم الذي وفى ، ألا
تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه
الجزاء الأوف) وقد يعارض البعض هذا القول بقوله تعالى ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم )
وقوله تعالى ( ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ( وهذا موافق لما تقدم وليس
بمعارض ، فالإنسان يتحمل إثم ما ارتكب من ذنوب ، وإثم الذين أضلهم بقوله وفعله ،
كما أن دعاة الهدى ينالون أجر ما عملوه ومثل أجر من اهتدى بهديهم ، فإضلال هؤلاء
لغيرهم هو فعل يعاقبون عليه
القاعدة الثالثة: اطلاع العباد على ما قدموه من أعمال من
إعذار الله لخلقه ، وعدله في عباده أن يطلعهم على ما قدموه من صالح أعمالهم
وطالحها ، حتى يحكموا على أنفسهم ، فلا يكون لهم بعد ذلك عذر ، قال تعالى ( يوم
تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا
بعيدا ) وقال تعالى ( علمت نفس ما قدمت وأخرت ) ، وقال ) ووجدوا ما عملوا حاضرا
ولا يظلم ربك أحدا ) واطلاع العباد على ما قدموه يكون بإعطائهم صحائف أعمالهم. وقراءتهم لها كما
قال تعالى ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه
منشورا ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) ، وهو كتاب شامل لجميع الأعمال
كبيرها وصغيرها ( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولنا يا ويلتنا مال
هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم
ربك أحدا )
القاعدة الرابعة: مضاعفة الحسنات دون السيئات ومن رحمته
أن يضاعف أجر الأعمال الصالحة ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم ).
وأقل ما تضاعف به الحسنة عشرة أضعاف ) من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، أما السيئة فلا تجزى إلا مثلها ( ومن جاء بالسيئة
فلا يجزى إلا مثلها ) وهذا مقتضى عدله تبارك وتعالى ،قال عليه الصلاة والسلام فيما
يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال ( الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد ، والسيئة واحدة
أو أغفرها ، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي ، لقيتك بها مغفرة ) رواه
أحمد والحاكم ،وقد تصل مضاعفة الحسنة إلى سبعمائة ضعف ، وأكثر من ذلك كما قال
تعالى ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل
سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع) ، ومن الأعمال التي أخبر عنه صلى
الله عليه وسلم أنها تضاعف قراءة القرآن والذكر والإنفاق والجهاد والحج والصوم
والصبر وغيرها كثير مما لم نحصره هنا ، وتتجلى رحمة الله وفضله على عباده أن
المؤمن الذي يهم بفعل الحسنة ثم لا يفعلها تكتب له حسنة تامة، والذي يهم بفعل
السيئة ثم لا يفعلها مخافة لله تكتب له حسنة تامة . ومن واسع رحمته وفضله تبارك وتعالى
أن يبدل السيئات حسنات كما قال تعالى
( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ) ، فأي فضل بعد هذا
الفضل؟
القاعدة الخامسة: إقامة الشهود على الكفرة والمنافقين : قال تعالى ( ولا
تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) وقال ( إن الله كان على كل شيء
شهيدا )، ولكن الله يحب الأعذار إلى خلقه فيبعث من مخلوقاته شهداء على المكذبين
الجاحدين حتى لا يكون لهم عذر كما قال تعالى ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد
وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ( وقوله ( ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم)
، وقال تعالى ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد). ومن الأشهاد الأرض والليالي تشهد
بما عمل فيها وعليها ، ويشهد المال على صاحبه، وتشهد الملائكة على العباد بما
كانوا يعملون. فإذا لج العبد في الخصومة وكذب ربه وكذب الشهود الذين شهدوا عليه ،
أقام الله عليه شاهدا منه ، فتشهد على المرء أعضاؤه ، كما قال تعالى ( حتى إذا ما جاؤها
شهد على سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون )
50- هل يسأل الكفار؟ولماذا يسألون؟ هل يحاسبون ويسألون ؟
أم يأمر بهم إلى النار من غير سؤال ؟ لأن أعمالهم باطلة حابطة فلا فائدة من السؤال
والحساب ؟ وإذا كانوا يحاسبون فما فائدة حسابهم وسؤالهم؟
قال شيخ الإسلام بن تيمية: ( هذه المسألة تنازع فيها
المتأخرون من أصحاب محمد وغيرهم، فممن قال إنهم لا يحاسبون أبو بكر عبدالعزيز ،
وابو الحسن التميمي ، والقاضي أبو يعلى ،وغيرهم . وممن قال إنهم يحاسبون أبو حفص
البرمكي من أصحاب أحمد وأبو سليمان الدمشقي ، وابو طالب). والصحيح أن الكفار
محاسبون مسؤولون كما أن أعمالهم توزن ، وقد دلت على ذلك نصوص كثيرة كقوله تعالى ( ويوم يناديهم
فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ) ، وقوله ( ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم
المرسلين ) ، وقوله ( فأما من ثقلت موازينه ، فهو في عيشة راضية ، وأما من خفت
موازينه فأمه هاويه ، وما أدراك ما هيه ، نار حاميه ) ، وقوله تعالى ( وأما من خفت
موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، تلفح وجوههم النار وهم فيها
كالحون ، الم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون ) أما لماذا يحاسبون وتوزن
أعمالهم مع أن أعمالهم حابطة مردودة فلأمور منها:
الأول : إقامة الحجة عليهم ، وإظهار عدل الله فيهم ، ولا
أحد أحب إليه العذر من الله وهو صاحب العدل المطلق، قال تعالى ( ووضع الكتاب فترى
المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا
كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا )
الثاني : أن الله يحاسبهم لتوبيخهم وتقريعهم، قال تعالى
( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا
العذاب بما كنتم تكفرون )
الثالث: أن الكفار مكلفون بأصول الشريعة كما هم مكلفون
بفروعها فيسالون عما قصروا فيه وخالفوا فيه الحق. واستشهد القرطبي على أنهم
مخاطبون بفروع الشريعة ومسؤولون عنها بقوله تعالى ( وويل للمشركين ، الذين لا
يؤتون الزكاة ) فتوعدهم على منعهم الزكاة ، وأخبر عن المجرمين أنهم يقال لهم ( ما
سلكم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع
الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين
)
الرابع: أن الكفار يتفاوتون في كفرهم وذنوبهم ومعاصيهم ،
ويحلون في النار بمقدار هذه الذنوب ، فالنار دركات بعضها تحت بعض ، وكاما كان
المرء أشد كفرا كاما كان أشد عذابا. وذكر ابن تيمية أن الحساب لبيان مراتب العذاب
لا لأجل دخول الجنة كما أن أبا طالب أخف عذابا من أبي لهب. وبذكر القرطبي وجهين
لوزن الأعمال ، الأول: أنه يوضع في إحدى الكفتينكفره وسيئاته ، ولا يجد الكفار
حسنة توضع في الكفة الأخرى ، فترجح كفة السيئات. والثاني : أن حسنات الكفار من صلة
رحم وصدقة ومواساة الناس توضع في كفة الحسنات ، ولكن كفة السيئات ترجح بسبب كفره
وشركه . والوجه الأول هو الصحيح لأن الشرك يحبط الأعمال كما قال تعالى ( لئن أشركت
ليحبطن عملك) ، كما أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الكافر يطعم بحسنته في
الدنيا فيأتي يوم القيامة وليس له حسنات وبعد تقرير سؤال الكفار فيما سبق ، فكيف
توجه النصوص الدالة على خلاف ذلك كقوله تعالى ( ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون )
وقوله ) هذا يوم لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون) ،والجواب
على ذلك أنه ليس بين هذه النصوص إن شاء الله تعالى تعارض وقد وفق أهل العلم بينهما
بوجوه عدة:
الأول : أن الكفار لا يسألون سؤال شفاء وراحة ، وإنما
يسألون سؤال تقريع وتوبيخ
الثاني : أنهم لا يسألون سؤال استفهام ، لأنه تعالى عالم
بكل أعمالهم ، وإنما يسألهم سؤال تقرير
الثالث: أنهم يسالون في يوم القيامة في موطن دون موطن ،
قال القرطبي:( القيامة مواطن ، فموطن يكون فيه سؤال وكلام ، وموطن لا يكون ذلك )
الرابع: قال القرطبي : إن معنى قوله تعالى ( ولا يسأل عن
ذنوبهم المجرمون) ، سؤال التعرف لتمييز المؤمنين من الكافرين ، أي إن الملائكة لا
تحتاج أن تسأل أحدا يوم القيامة أن يقال : ما دينك ؟ وما كنت تصنع في الدنيا؟ حتى
يتبين لهم بإخباره عن نفسه أنه كان مؤمنا أو كان كافرا.......)
51- حقيقة الصراط : قال السفاريني: [ الصراط في اللغة
الطريق الواضح. ومنه قول جرير أمير المؤمنين على الصراط : إذا اعوج الموارد مستقيم
، وفي الشرع جسر ممدود على متن جهنم ، يرده الأولون والآخرون ، فهو قنطرة بين
الجنة والنار] ، وقد بين شارح الطحاوية معتقده في الصراط المذكور في الأحاديث
فقال: ( ونؤمن بالصراط وهو جسر على جهنم إذا انتهى الناس بعد مفارقتهم الموقف إلى
الظلمة التي دون الصراط ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم سئل: أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال : ( هم في
الظلمة دون الجسر ) . وقد بين السفاريني رحمه الله تعالى موقف الفرق من الصراط وهل
هو صراط مجازي أم حقيقي ؟ فقال: ( اتفقت الكلمة بالجملة على إثبات الصراط في
الجملة ، لكن أهل الحق يثبتونه على ظاهره من كونه جسرا ممدودا على متن جهنم ، أحد
من السيف وأدق من الشعر ، وأنكر هذا الظاهر القاضي عبدالجبار المعتزلي ، وكثير من
أتباعه زعما منهم أنه لا يمكن عبوره وإن أمكن ففيه تعذيب ، ولا عذاب على المؤمنين
والصلحاء يوم القيامة ، وإنما طريق الجنة المشار إليه بقوله تعالى ( سيهديهم ويصلح
بالهم ) ، وطريق النار المشار إليه بقوله تعالى ( فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) ، ومنهم من حمله على الأدلة الواضحة والمباحات
والأعمال الرديئة التي يسأل عنها ويؤاخذ بها ، وكل هذا باطل وخرافات لوجوب حمل
النصوص على حقائقها ، وليس العبور على الصارط بأعجب من المشي على الماء أو الطيران
في الهواء ، أو الوقوف فيه ، وقد أجاب عليه الصلاة والسلام عن سؤال حشر الكافر على
وجهه بأن القدرة صالحة لذلك ، وأنكر العلامة القرافي كون الصراط أدق من الشعر وأحد
من السيف ، وسبقه إلى ذلك شيخه العز بن عبدالسلام ، والحق أن الصراط وردت به
الأخبار الصحيحة وهو محمول على ظاهره بغير تأويل كما ثبت في الصحيحين والمسانيد
والسنن والصحاح مما لا يحصى إلا بكلفة من أنه جسر مضروب على متن جهنم يمر عليه
جميع الخلائق ، وهم في جوازه متفاوتون)
عظة المرور على الصراط: يقول القرطبي : ( تفكر الآن فيما
يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته ، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من
تحته ، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيظها ، وقد كلفت أن تمشي على الصراط ، مع ضعف
حالك واضطراب قبلك وتزلزل قدمك ، وثق ظهرك بلأوزار ، المانعة لك من المشي على بساط
الأرض فضلا عن حدة الصراط ، فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك ، فأحسست بحدته ،
واضطررت إلى أن رتفع قدمك الثاني ، والخلائق بين يديك يزلون ، ويعثرون ، وتتناولهم
زبانية النار بالخطاطيف والكلاليب ، وأنت تنظر إليهم كيف ينكسون إلى جهة النار
رؤوسهم وتعلو أرجلهم فيا له من منظر ما أفظعه ، ومرتقى ما أصعبه ، ومجاز ما أضيقه )
52- المرور على الصراط للمؤمنين دون المشركين : دلت
الأحاديث على أن الأمم الكافرة تتبع ما كانت تعبد من آلهة باطلة ، فتسير تلك
الآلهة بالعابدين حتى تهوي بهم في النار ، ثم يبقى بعد ذلك المؤمنون وفيهم
المنافقون ، وعصاة المؤمنين ، وهؤلاء هم الذين ينصب لهم الصراط ولم يتطرق إلى هذه
المسألة من أن الصراط إنما يكون للمؤمنين دون غيرهم من الكفرة المشركين والملحدين
غير ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى فإنه قال في كتابه التخويف من النار : (واعلم
أن الناس منقسمون إلى مؤمن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ، ومشرك يعبد مع الله
غيره ، فأما المشركون فإنهم لايمرون على الصراط ، وإنما يقعون في النار قبل وضع
الصراط ) ، وقد ساق بعض الأحاديث ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في
الصحيحين ، ثم قال ( فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله
كالمسيح والعزير من أهل الكتاب فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع بالنار قبل نصب
الصراط ، إلا أن عباد الأصنام والشمس والقمر وغير ذلك من المشركين تتبع كل فرقة
منهم ما كانت تعبد في الدنيا ، فترد النار مع معبودها أولا ، وقد دل القرآن على
هذا المعى في قوله تعالى في شأن فرعون : (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار
وبئس الورد المورود) ...... وأما من عبد المسيح والعزير من أهل الكتاب فإنهم
يتخلفون مه أهل الملل المنتسبين إلى الأنبياء ثم يردون النار بعد ذلك. وقد ورد في
حديث أن من كان يعبد المسيح يمثل له شيطان المسيح فيتبعونه ، وكذلك من كان يعبد
العزير ، وفي حديث الصور أنه يمثل له ملك على صورة المسيح وملك على صورة العزير،
ولا يبقى بعد ذلك إلا من كان يعبد الله وحده في الظاهر سواء كان صادقا أو منافقا من
هذه الأمة وغيرها ثم يتميز المنافقون عن المؤمنين بامتناعهم عن السجود ، وكذلك
يمتازون عنهم بالنور الذي يقسم للمؤمنين . وهذا نظر سديد من قائله رحمه الله
53- حشر الكفار إلى النار جاءت النصوص كثيرة تصور كيف
يكون حشر الكفار إلى النار هم وآلهتهم التي كانوا يعبدونها:
الصورة الأولى : أنهم يحشرون كقطعان الماشية جماعات ،
ينهرون نهرا غليظا ، ويصاح بهم من هنا وهناك ، كما يفعل الراعي ببقره أو غنمه ( وسيق الذين
كفروا إلى جهنم زمرا ) ، وقال تعالى ( يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ) ، وقال ( ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم
يوزعون)، ومعنى يوزعون أي يجمعون ، تجمعهم الزبانية أولهم على آخرهم ، كما يفعل
البشر بالبهائم
الصورة الثانية : أنهم يحشرون إلى النار على وجوههم ، لا
كما كانوا يمشون في الدنيا على أرجلهم ، قال تعالى ( الذين يحشرون على وجوههم إلى
جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ) ، عن أنس بن مالك أن رجلا قال : يا رسول الله
كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال : ( أليس الذي أمشاه على رجليه في
الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم ، ومع حشرهم
على هذه الصورة المنكرة على وجوههم فإنهم يحشرون عميا لا يرون ، وبكما لا يتكلمون
، وصما لا يسمعون ( ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم
كلما خبت زدناهم سعيرا
الصورة الثالثة : أنهم يحشرون مع آلهتهم الباطلة
وأعوانهم وأتباعهم ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ، من دون الله
فاهدوهم إلى صراط الجحيم )
الصورة الرابعة :أنهم في حشرهم هذا مغلوبون مقهورون
أذلاء صاغرون ( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد )
الصورة الخامسة : تصك مسامعهم أصواتها التي تملأ قلوبهم
رعبا وهلعا ( إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا (
الصورة السادسة : عندما يبلغون النار ويعاينون أهوالها
يندمون ويتمنون العودة إلى الدنيا كي يؤمنوا ( ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا
يا ليتنا نرد ولا تكذب بآايات ربنا ونكون من المؤمنين ) ، ولكنهم لا يجدون من
النار مفرا ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا ( (الصورة
السابعة:بعد ما تقدم يؤمرون بالدخول في النار وغضب الجبار أذلاء خاسرين ( فادخلوا أبواب
جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين )، ولا ينجو من النار من الجن والانس إلا
الاتقياء الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم(
فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا، ثم لننزعن من كل شيعة أيهم
اشد على الرحمن عتيا ، ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ، وإن منكم إلا
واردها كان على ربك حتما مقضيا ، ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )
54- معنى ورود النار : ذهب بعض العلماء إلى أن المراد
بورود النار المذكور في قوله تعالى( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ) هو دخول النار ،
وهذا قول ابن عباس ، وكان يستدل على ذلك بقوله الله تعالى في فرعون ( يقدم قومه
يوم القيامة فأوردهم النار ) وبقوله تعالى ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ( ،
وقوله تعالى ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) ، وروى مسلم الأعور عن مجاهد ( وإن
منكم إلا واردها ) قال : داخلها ، وقال بعض أهل العلم إلى أن المراد بالورود هنا
المرور على الصراط ، يقول شارح الطحاوية ( واختلف المفسرون في المراد بالورود في
قوله تعالى ( وإن منكم إلا واردها) ، ما هو ؟ والأظهر والأقوى أنه المرور على
الصراط قال تعالى ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ). وفي الصحيح أن
صلى الله عليه وسلم قال : ( والذي نفسي بيده ، لا يلج النار أحد بايع تحت الشجرة )
قالت حفصة : فقلت : يا رسول الله ، أليس الله يقول ( وإن منكم إلا واردها ) ،
فقال: ألم تسمعيه قال ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ) . اشار صلى الله
عليه وسلم إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها ، وأن النجاة من الشر لا تستلزم
حصوله ، بل تستلزم انعقاد سببه ، فمن طلبه عدوه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه يقال :
نجاه الله منهم ، ولهذا قال تعالى ( ولما جاء أمرنا نجينا هودا ( ، )
فلما جاء أمرنا نجينا صالحا ) ، ( ولما جاء أمرنا نجينا
شعيبا) ، ولم يكن العذاب أصابهم ، ولكن أصاب غيرهم ، ولولا ما خصهم الله به من
أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك ، وكذلك حال الوارد على النار ، يمرون فوقها
على الصراط ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا ، فقد بين صلى
الله عليه وسلم في حديث جابر المذكور أن الورود على النار ورودان : ورود الكفار
أهل النار ، فهذا ورود دخول لا شك في ذلك كما قال تعالى في شأن فرعون ( يقدم قومه
يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود) أي بئس المدخل المدخول . والورود
الثاني : ورود الموحدين ، أي مرورهم على الصراط على النحو المذكور في الأحاديث
55- مرور المؤمنين على الصراط عندما يذهب بالكفرة والمشركين
إلى دار البوار : جهنم يصلونها وبئس القرار ، يبقى في عرصات القيامة أتباع الرسل
الموحدون وفيهم أهل الذنوب والمعاصي ، وفيهم أهل النفاق، وتلقى عليهم الظلمة قبل
الجسر كما في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنه قالت : سئل الرسول صلى الله
عليه وسلم: اين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال : " هم في
الظلمة دون الجسر " رواه مسلم
يقول شارح الطحاوية : ( وفي هذا الموضع يفترق المنافقون
عن المؤمنين ، ويتخلفون عنهم ، ويسبقهم المؤمنون ، يحال بينهم بسور يمنعهم من
الوصول إليهم ، روى البيهقي بسنده عن مسروق ، عن عبدالله قال ( يجمع الله الناس
يوم القيامة ) إلى أن قال : ( فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه ، ومنهم من
يعطى نوره فوق ذلك ، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه ، ومنهم من يعطى دون
ذلك بيمينه ، حتى يكون آخر من يعطى نوره في إبهام قدمه ، يضيء مرة ويطفأ أخرى ،
إذا أضاء قدم قدمه ، وإذا أطفأ قام ، قال : فيمرون على الصراط ، والصراط كحد السيف
دحض مزلة ، ويقال لهم : امضوا على قدر نوركم ، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب ،
ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالطرف ، ومنهم من يمر كشد الرجل ، يرمل رملا
على قدر أعمالهم ، حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه ، تخر يد وتعلق يد ، وتخر رجل
، وتعلق رجل ، وتصيب جوانبه النار ، فيخلصون فإذا خلصوا ، قالوا : الحمدلله الذي
نجانا منك ، بعد أن أراناك ، لقد أعطانا مالم يعط أحد ) ، قال تعالى : ( يوم ترى
المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من
تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم، يوم يقول المنافقون والمنافقات
للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم
بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، ينادونهم ألم نكن معكم
قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله
الغرور ، فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم
وبئس المصير) . فالمؤمنون يعطون في يوم القيامة نورا يكشف لهم الطريق الموصلة إلى
جنات النعيم ويجنبهم العثرات والمزالق في طريق دحض مزلة ، ويحرم المنافقون الذين
كانوا يزعمون في الدنيا أنهم مع المؤمنين ، وأنهم منهم ، لكنهم في الحقيقة مفارقون
لهم لا يهتدون بهداهم ولا يسلكون سبيلهم من النور ، كما حرموا أنفسهم في الدنيا من
نور القرآن العظيم ، فيطلب المنافقون من ا÷ل الإيمان أن ينتظروهم ليستضيئوا بنورهم
وهناك يخدعون كما كانوا يخدعون المؤمنين في الدنيا ، ويقال لهم ارجعوا وراءكم
فالتمسوا نورا ، وبذلك يعود المنافقون إلى الوراء ويتقدم المؤمنون إلى الإمام فإذا
تمايز الفريقان ضرب الله بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله
العذاب ، ويكون مصير المؤمنين والمؤمنات الجنة ، ومصير المنافقين والمنافقات النار
، وقد أخبر الحق أن دعاء المؤمنين عندما يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم هو (
ربنا أتمم لنا نرونا ) قال تعالى ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم
يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء
قدير) ، قال مجاهد والضحاك والحسن البصري وغيرهم : هذا يقوله المؤمنون حين يرون يوم
القيامة نور المنافقين قد طفئ
56- كل أمة تتبع الإله الذي كانت تعبده في ختام هذا
اليوم يحشر العباد إما إلى جنة وإما إلى نار ، وهما المقر والمأوى الأخير الذي
يصير إليه العباد جميعا، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من كل أمة
في آخر ذلك اليوم أن تتبع الإله الذي كانت تعبده ، فالذي كان يعبد الشمس يتبع
الشمس ، والذي كان يعبد القمر يتبع القمر ، والذي كان يعبد الأصنام تصور لهم
آلهمتهم ثم تسير أمامهم ويتبعونها ، والذي كانوا يعبدون فرعون يتبعونه ، ثم إن هذه
الآلهة الباطلة تتساقط في النار ، ويتساقط عبادها وراءها في السعير كما قال تعالى
في فرعون ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود)- سورة هود ،
ولا يبقى بعد ذلك إلا المؤمنون وبقايا أهل الكتاب ، وفي المؤمنين المنافقون الذين
كانوا معه ، فيأتيهم ربهم ، فيقول لهم ما تنتظرون ؟ فيقولون ننتظر ربنا ، فيعرفونه
بساقه عندما يكشفها لهم ، وعند ذلك يخرون له سجودا ، إلا المنافقون فلا يستطيعون ( يوم يكشف عن ساق
ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) ثم يتبع المؤمنون ربهم ، وينصب الصراط ويعطى
المؤمنون أنوارهم ، ويسيرون على الصراط ، ويطفأ نور المافاقين ، ويقال لهم ارجعوا
وراءكم فالتمسوا نورا ، ثم يضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من
قبله لعذاب ، ويمر العباد على الصراط مسرعين بقدر إيمانهم وأعمالهم الصالحة، عن
أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان يوم
القيامة أذن مؤذن : لتتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله
سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار ، حتى إذا لم يبق إلا من كان
يعبد الله من بر وفاجر ، وغُبَّر اهل الكتاب - بقاياهم - . فيدعى اليهود، فيقال
لهم : ما كنتم تعبدون؟ قالوا : كنا نعبد عزير ابن الله . فيقال : كذبتم ما اتخذ
الله من صاحبة ولا ولد. فماذا تبغون ؟ قالوا عطشنا يا ربنا ، فاسقنا . فيشار إليهم ألا
تردون ؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار. ثم
يدعى النصارى فيقال لهم: ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد المسيح ابن الله ،
فيقال لهم : كذبتم ، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد ، فيقال لهم : ما تبغون ؟
فيقولون : عطشنا ، يا ربنا فاسقنا ، قال : فيشار إليهم : ألا تردون ؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها
سراب يحطم بعضها بعضا ، فيتساقطون في النار. حتى إذا لم يبق إلا من يعبد الله تعالى
من بر وفاجر ، أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها ،
قال / فماذا تنتظرون ؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد . قالوا : يا ربنا ، فارقنا الناس
في الدنيا أفقر ما كنا غليهم ، ولم نصاحبهم ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ
بالله منك ، لا نشرك بالله شيئا
( مرتين أو ثلاثا ) حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب . فيقول
: هل بينكم وبينه آية فتعرفونها بها ؟ فيقولون : نعم ، فيكشف عن ساق ، فلا يبقى من
كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء
ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ، ثم يرفعون
رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فقال : أنا ربكم ، فيقولون :
أنت ربنا. ثم يضرب الجسر على جهنم ، وتحل الشفاعة ، ويقولون: اللهم سلم سلم ، قيل
يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة ، فيه خطاطيف وكلاليب وحسك ، تكون بنجد
فيها شويكة يقال لها : السعدان ، فيمر المؤمنون كطرف العين ، وكالبرق وكالطير
وكأجاويد الخيل والركاب ، فناج مسلم ، ومخدوش مرسل ، ومكدوس في نار جهنم ) رواه
مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف الصراط قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( وترسل الأمانة والرحم فتقومان على جنبتي الصارط يمينا وشمالاا
، فيمر أولكم كالبرق ، قال : قلت : بأبي أنت وأمي ، أي شيء كالبرق ؟ قال : الم
تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير وشد
الرحال ، تجري بهم أعمالهم ، ونبيكم قائم على الصراط يقول : رب سلم ، سلم . حتى
تعجز أعمال العباد ، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا ، قال : وعلى حافتي
الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به ، فمخدوش ناج ، ومكدوس في النار )
رواه مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في
إجابته للصحابة عندما سألوه عن رؤيتهم لله ( هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس
دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله. قال فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع
الله الناس ، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع
من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها
، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ
بالله منكم ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم الله
في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فيتبعونه ،
ويضرب جسر جهنم ، قال رسول الله صلى الله عليهوسلم : ( فأكون أول من يجيز ، ودعء
الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وبه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك
السعدان ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنها لا
يعلم قدر عظمها إلا الله ، فتخطف الناس بأعمالهم ، منهم الموبق ، ومنهم المخردل ،
ثم ينجو ) رواه البخاري
57- الأعمال التي تثقل الميزان ، أثقل ما يوضع في ميزان
العبد حسن الخلق، فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أثقل
شيء يوضع في ميزان العبد يوم القيامة خلق حسن ، وإن الله يبغض الفاحش البذيء) رواه الترمذي
وقال : هذا حديث حسن صحيح . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن
: سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم) رواه البخاري ومسلم . وعن أبي مالك
الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( الطهور شطر الإيمان، والحمدلله
تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمدلله تملآن ( أو تملأ ) ما بين السماء والأرض )
رواه مسلم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من
احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا وتصديقا بوعده ، كان شبعه وريه وروثه في
ميزانه يوم القيامة ) رواه البخاري والنسائي وأحمد
@ أحاديث الشفاعة
1- حدثنا
سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي قال
اجتمعنا ناس
من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك وذهبنا معنا بثابت
البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي
الضحى فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه فقلنا لثابت لا تسأله عن شيء
أول من حديث الشفاعة فقال يا أبا حمزة هؤلاء إخوانك من أهل البصرة
جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة فقال حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال
إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون
اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن
فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله
فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته
فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم
فيأتوني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا
تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقول يا محمد ارفع رأسك وقل
يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان
في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له
ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب
أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان
فأخرجه فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقول يا
محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول
انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من
النار فأنطلق فأفعل فلما خرجنا من عند أنس قلت لبعض أصحابنا لو مررنا
بالحسن وهو متوار في منزل أبي خليفة فحدثناه بما حدثنا أنس بن مالك
فأتيناه فسلمنا عليه فأذن لنا فقلنا له يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك
أنس بن مالك فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة فقال هيه فحدثناه بالحديث
فانتهى إلى هذا الموضع فقال هيه فقلنا لم يزد لنا على هذا فقال لقد حدثني وهو
جميع منذ عشرين سنة فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا قلنا يا أبا سعيد فحدثنا
فضحك وقال خلق الإنسان عجولا ما ذكرته إلا وأنا أريد أن أحدثكم حدثني كما حدثكم به
قال ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد
ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله
إلا الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
رواه البخاري ومسلم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة فقال أنا
سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون بم ذاك يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين
في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس
من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض ألا ترون
ما أنتم فيه ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض
الناس لبعض ائتوا آدم فيأتون آدم فيقولون يا آدم أنت أبو البشر
خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا
ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي غضب اليوم
غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي
اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح أنت
أول الرسل إلى الأرض وسماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن
فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله
ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي اذهبوا إلى
إبراهيم صلى الله عليه وسلم فيأتون إبراهيم فيقولون أنت نبي الله
وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى
إلى ما قد بلغنا فيقول لهم إبراهيم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله
مثله ولا يغضب بعده مثله وذكر كذباته نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى
موسى فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقولون يا موسى أنت رسول
الله فضلك الله برسالاته وبتكليمه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما
نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فيقول لهم موسى صلى الله عليه وسلم إن
ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت نفسا لم
أومر بقتلها نفسي نفسي اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم فيأتون
عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمت الناس في المهد وكلمة منه
ألقاها إلى مريم وروح منه فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا
ترى ما قد بلغنا فيقول لهم عيسى صلى الله عليه وسلم إن ربي قد غضب اليوم
غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر له ذنبا نفسي نفسي اذهبوا إلى
غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيأتوني فيقولون يا محمد
أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا
إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه ألا ترى ما قد بلغنا فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع
ساجدا لربي ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه
لأحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه اشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول
يا رب أمتي أمتي فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب
الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب والذي نفس محمد
بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو
كما بين مكة وبصرى. رواه مسلم ، عن أبي هريرة وأبو مالك عن
ربعي عن حذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع
الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة فيأتون آدم
فيقولون يا أبانا استفتح لنا الجنة فيقول وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم
آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله قال فيقول
إبراهيم لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلا من وراء وراء اعمدوا إلى موسى صلى
الله عليه وسلم الذي كلمه الله تكليما فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم
فيقول لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه فيقول عيسى صلى
الله عليه وسلم لست بصاحب ذلك فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم فيقوم
فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا فيمر أولكم
كالبرق قال قلت بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق قال ألم تروا إلى البرق كيف يمر
ويرجع في طرفة عين ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم
أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء
الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا قال وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة
بأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكدوس في النار والذي نفس أبي هريرة
بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا.
رواه مسلم ،وعن أبي سعيد الخردي رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر
وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا
أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم
فيقولون أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربك فيقول إني أذنبت ذنبا أهبطت منه
إلى الأرض ولكن ائتوا نوحا فيأتون نوحا فيقول إني دعوت على أهل الأرض
دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول إني كذبت
ثلاث كذبات ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة إلا ما حل
بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول إني قد قتلت
نفسا ولكن ائتوا عيسى فيأتون عيسى فيقول إني عبدت من دون الله ولكن
ائتوا محمدا قال فيأتونني فأنطلق معهم قال ابن جدعان قال أنس
فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فآخذ بحلقة باب الجنة
فأقعقعها فيقال من هذا فيقال محمد فيفتحون لي ويرحبون بي فيقولون مرحبا
فأخر ساجدا فيلهمني الله من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع
تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله ( عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا ) قال سفيان ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب
الجنة فأقعقعها. أخرجه الترمذي
59- أنواع الشفاعة : دلت الأحاديث على أن هناك نوعين من
أنواع الشفاعة التي تقع في ذلك اليوم:
النوع الأول : الشفاعة العظمى: وهي المقام المحمود ،
الذي يرغب الأولون والآخرون فيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليشفع إلى ربه كي
يخلص العباد من أهوال المحشر
النوع الثاني: الشفاعة في أهل الذنوب من الموحدين الذين
دخلوا النار
وهناك أنواع جاء ذكرها في الأحاديث وهي:
الأول والثاني: شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في
أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم فيشفع فيهم ليدخلون الجنة ، وفي آخرين قد أمر بهم
إلى النار أن لايدخلوها
الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل
الجنة فيها فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم
الرابع: الشفاعة في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب ،
ويمكن أن يستشهد لهذا بحديث عكاشة بن محصن حيث دعا له رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ، والحديث في
الصحيحين
الخامس : شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في تخفيف عذاب
عمه أبي طالب ، حيث يخرجه الله به إلى ضحضاح من نار يغطي قدميه يغلي لهما دماغه
السادس : شفاعته في الإذن للمؤمنين بدخول الجنة
والشفاعة في أهل الذنوب ليست خاصة بالرسول صلى الله عليه
وسلم فقد يشفع النبيون والشهداء والعلماء ، وقد يشفع للمرء أعماله ، ولكن رسولنا
صلى الله عليه وسلم له النصيب الأوفر منها ، وقد يشفع غيره أيضا في رفع درجات
المؤمنين ، وبقية الأنواع خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم
- هذه هي أنواع الشفاعة التي تقع في يوم القيامة ، أما
الشفاعة المرفوضة فهي الشفاعة التي يتعامل بها الناس في الدنيا، حيث يشفع الشافع
وإن لم يرض الذي شفع عنده ، وقد يكره من شفع عنده على قبول شفاعة الشافعين لعظم
منزلتهم وقوتهم وبأسهم ، وهذه هي الشفاعة التي يعتقدها المشركون والنصارى في
آلهتهم ويعتقدها المبتدعون من هذه الأمة في مشايخهم ، وقد أكذب الله أصحابها ، فلا
أحد يشفع في ذلك اليوم إلا بإذن الله ، ولا يشفع إلا إذا رضي الله عن الشافع
والمشفوع ، قال تعالى ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ، وقال ( ولا يشفعون إلا
لمن ارتضى ) ، ولذلك فإن والد إبراهيم لما مات كافرا فإن الله لا يقبل شفاعة خليله
فيه في ذلك اليوم ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يلقى إبراهيم
اباه آزر في يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ، فيقول له إبراهيم: الم أقل
لك لا تعصني ؟ فيقول له ابوه : فاليوم لا أعصيك ، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني
أن لا تخزني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ فيقول الله تعالى : إني
حرمت الجنة على الكافرين. ثم يقال لإبراهيم: ما تحت قدميك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ
متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار ) رواه البخاري
60--58ما الذي يوزن في الميزان؟
الإحتمال الأول : أن الذي يوزن في ذلك اليوم الأعمال
نفسها وأنها تجسم فتوضع ، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ،
ثقيلتان في الميزان : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) رواه البخاري ، وقد
دلت نصوص كثيرة على أن الأعمال تأتي في يوم القيامة في صورة الله سبحانه أعلم بها
، فمن ذلك مجيء القرآن شافعا لأصحابه ، وأن سورة البقرة وآل عمران تأتيان كأنهما
غمامتان أو غيابتان ، أو فرقا من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، فروى أبو أمامة قال
: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( اقرأوا القرآن ، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا
لأصحابه. اقرأوا الزهراوين : البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان كأنهما غمامتان أو
غيابتان أو فرقا من طير صواف تحاجان عن أصحابهما) رواه مسلم ، وهذا القول رجحه ابن
حجر العسقلاني ونصره ، فقال ( والصحيح أن الأعمال هي التي توزن ، وقد أخرج أبو
داود والترمذي ،وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (
ما يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق) الثاني : أن الذي يوزن هو
العمل نفسه ، فقد دلت النصوص على أن العباد يوزنون في يوم القيامة، فيثقلون في
الميزان في الميزان أو يخفون بمقدار إيمانهم، لا بضخامة أجسامهم ، وكثرة ما عليهم
من لحم ودهن ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (
إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة ، وقال :
اقرأوا ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) رواه البخاري . وعن ابن مسعود أنه كان
رقيق الساقين فجعلت الريح تلقيه ، فضحك القوم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم( مم تضحكون ؟ ) قالوا : يا نبي الله من رقة ساقيه قال: والذي نفسي بيده لهما
أثقل في الميزان من أحد. رواه أحمد
الثالث: أن الذي يوزن إنما هو صحائف الأعمال ، فقد روى
الترمذي عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال ( إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر له
تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك
كتبتي الحافظون؟ فيقول : لا يا رب، فيقول : ألك عذر ؟ فيقول : لا يا رب. فيقول
الله تعالى : بلى ، إن لك عندنا حسنة ، فإنه لا ظلم اليوم ، فتخرج بطاقة فيها أشهد
أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول : يا رب
ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: فإنك لا تظلم ، فتوضع السجلات في كفه،
والبطاقة في كفه، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ، ولا يثقل مع اسم الله شيء) ، وقد
مال القرطبي والسفاريني إلى هذا القول ، ولعل الحق أن الذي يوزن هو العامل وعمله
وصحف أعماله ، فقد دلت النصوص التي سقناها على أن كل واحد من هذه الثلاثة يوزن،
ولم تنف النصوص المثبتة لوزن الواحد منها أن غيره لا يوزن، فيكون مقتضى الجمع بين
النصوص إثبات الوزن للثلاثة المذكورة جميعها
59-الميزان عند أهل السنة : في ختام ذلك اليوم ينصب
الميزان لوزن أعمال العباد ، يقول القرطبي ( وإذا انقضى الحساب كان بعده وزن
الأعمال ، لأن الوزن للجزاء ، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة ، فإن المحاسبة لتقدير
الأعمال ، والوزن لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحسبها) ، وقد دلت النصوص على أن
الميزان ميزان حقيقي ، لا يقدر قدره إلا الله ، فقد روى الحالكم عن سلمان عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال ) يوضع الميزان يوم القيامة ، فلو وزن فيه السماوات والأرض
لوسعت. فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا ؟ فيقول الله تعالى : لمن شئت من خلقي. فتقول الملائكة :
سبحانك ما عبدناك حق عبادتك) ، وهو ميزان دقيق لا يزيد ولا ينقص ( ونضع الموازين
القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى
بنا حاسبين) ، وقد اختلف أهل العلم في وحدة الميزان وتعدده ، فذهب بعضهم إلى أن
لكل شخص ميزانا خاصا ، أو لكل عمل ميزانا لقوله تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم
القيامة)، وذهب آخرون إلى أن الميزان واحد وأن الجمع في الآية إنما هو باعتبار
تعدد الأعمال أو الأشخاص. وقد رجح ابن حجر بعد حكايته للخلاف أن الميزان واحد ،
قال : ( ولا يشكل بكثرة من يوزن عمله ، لأن أحوال القيامة لا تكيف بأحوال الدنيا
)، وقال السفاريني : ( قال الحسن البصري: لكل واحد من المكلفين ميزان. قال
بعضهم:الأظهر إثبات موازين القيامة لا ميزان واحد ، لقوله تعالى : ( ونضع الموازين
) ، وقوله ( فمن ثقلت موازينه) قال : وعلى هذا فلا يبعد أن يكون لأفعال القلوب
ميزان ، ولأفعال الجوارح ميزان ، ولما يتعلق بالقول ميزان. أورد هذا ابن عطية
وقال: الناس على خلافة ، وإنما لكل واحد وزن مختص به ، والميزان واحد، وقال بعضهم
إنما جمع الموازين في الآية الكريمة لكثرة من توزن أعمالهم . وهو حسن ( والميزان عند
أهل السنة ميزان حقيقي توزن به أعمال العباد وخالف في هذا المعتزلة ، وقلة قليلة
من أهل السنة. قال ابن حجر: ( قال أبو اسحاق الزجاج: أجمع أهل السنة على الإيمان
بالميزان ، وأن أعمال العباد توزن به يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان
ويميل بالأعمال. وأنكرت المعتزلة الميزان، وقالوا : هو عبارة عن العدل ، فخالفوا
الكتاب والسنة، لأن الله أخبر أنه يضع الموازين لوزن الأعمال ، ليرى العباد
أعمالهم ممثلة ليكونوا على أنفسهم شاهدين. وقال ابن فورك : أنكرت المعتزلة الميزان
، بناء منعم أن الأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها. قال: وقد روى بعض
المتكلمين عن ابن عباس أن الله تعالى يقلب الأعراض أجساما فيزنها. انتهى. وقد ذهب
بعض السلف إلى أن الميزان بمعنى العدل والقضاء ، وعزا الطبري القول بذلك إلى
مجاهد. والراجح ما ذهب إليه الجمهور. وذكر الميزان عند الحسن فقال : له لسان
وكفتان )
وقد استدل شيخ الاسلام بن تيمية على أن الميزان غير
العدل، وأنه ميزان حقيقي توزن به الأعمال بالكتاب والسنة فقال( والميزان هو ما
يوزن به الأعمال ، وهو غير العدل كما دل على ذلك الكتاب والسنة مثل قوله تعالى ) فمن ثقلت
موازينه) ، ( ومن خفت موازينه ) وقوله ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ( وفي
الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان
ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم
). وقال عن ساقي عبدالله بن مسعود: ( لهما في الميزان أثقل من أحد ) . وفي الترمذي
وغيره حديث البطاقة ، وصححه الترمذي والحاكم وغيرهما في الرجل الذي يؤتى به ،
فينشر له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيوضع في كفة، ويؤتى ببطاقة
فيها شهادة أن لا إله إلا الله . قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فطاشت السجلات
وثقلت البطاقة) ، وهذا وأمثاله مما يبين أن الأعمال توزن بموازين تبين بها رجحان
الحسنات على السيئات وبالعكس، فهو ما به تبين العدل والمقصود بالوزن العدل ،
كموازين الدنيا
60 - الله عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم في
الموقف العظيم بإعطائه حوضا واسع الأرجاء ماؤه أبيض من اللبن ، وأحلى من العسل ،
وريحه أطيب من المسك ، وكيزانه كنجوم السماء ، يأتيه هذا الماء الطيب من نهر
الكوثر ، الذي أعطاه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ترد عليه أمة المصطفى
صلى الله عليه وسلم ، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا
وقد اختلف أهل العلم في موضعه فذهب الغزالي والقرطبي إلى
أنه يكون قبل المرور على الصراط في عرصات يوم القيامة، واستدلوا على ذلك بأنه يؤخذ
بعض وارديه إلى النار فلو كان بعد الصراط لما استطاعوا الوصول إليه، واستظهر ابن
حجر أن مذهب البخاري أن الحوض يكون بعد الصراط لأن البخاري أورد أحاديث الحوض بعد
أحاديث الشفاعة ، وأحاديث نصب الصراط . وما ذهب إليه القرطبي أرجح وقد استعرض ابن
حجر أدلة الفريقين في كتابه القيم " فتح الباري " الأحاديث الواردة فيه :
1- عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم( حوضي مسيرة شهر وزاوياه سواء. ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك،
وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه فلا يظمأ أبدا ) متفق عليه . عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إن حوضي أبعد من من أيلة- مدينة
العقبة - من عدن ، لهو أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل باللبن ، ولآنيته أكثر
من عدد النجوم، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه ). قالوا : يا رسول الله!
أتعرفنا يومئذ ؟ قال: نعم لكم سيماء ليست لأحد من الأمم ، تردون عليّ غرا محجلين
من أثر الوضوء ) رواه مسلم وفي رواية له عن أنس قال ( ترى فيه اباريق الذهب والفضة
كعدد نجوم السماء ) ، وفي رواية أخرى عن ثوبان قال : سئل عن شرابه فقال : ( أشد
بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة ، أحدهما من ذهب
والآخر من ورق) الذين يردون الحوض والذين يطردون عنه
2- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليهوسلم( أنا فرطكم على الحوض ، وليرفعن إليّ رجال منكم ، حتى إذا أهويت
إليهم لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : اي رب ، أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك) رواه البخاري ومسلم ، وفي وراية أخرى للبخاري ومسلم ( فأقول سحقا
سحقا لمن بدل بعدي ) ، وفي وراية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( ترد عليّ أمتي
الحوض ، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله ، قالوا: يا نبي
الله تعرفنا ؟ قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم ن تردون غرا محجلين من آثار
الوضوء وليصدن عني طائفة منكم ، فلا يصلون ، فأقول : يا رب هؤلاء من أصحابي ،
فيجيء ملك فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟)
وقد أورد القرطبي في "التذكرة" بعض الأحاديث
التي سقناها ثم قال: ( قال علماؤنا رحمة الله عليهم أجمعين : فكل من ارتد عن دين
الله أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله ، ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض
، المبعدين عنه ، واشدهم طردا من خالف جماعة المسلمين وفارق سبيلهم كالخوارج على
اختلاف فرقها ، والروافض على تباين ضلالها ، والمعتزلة على أصناف أهوائها ، فهؤلاء
كلهم مبدلون. وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق وقتل أهله
وإذلالهم والمعلنون بالكبائر المستخفون بالمعاصي ، وجماعة أهل الزيغ والأهواء
والبدع..... )
61- اخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {كثيبا
مهيلا} قال: المهيل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك آخره. ، وأخرج ابن جرير
وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كثيبا مهيلا} قال: الرمل
السائل، وفي قوله: {أخذا وبيلا} قال: شديدا. وأخرج الطستي عن ابن عباس
أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {أخذا وبيلا} قال: أخذا
شديدا ليس له ملجأ قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول
الشاعر: خزي الحياة وخزي الممات * وكلا أراه طعاما وبيلا. الآية 17 - 20
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن
قتادة {فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا} قال: تتقون ذلك اليوم
إن كفرتم قال: "والله ما أتقى ذلك اليوم قوم كفروا بالله وعصوا
رسوله". وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن {فكيف تتقون إن كفرتم
يوما} قال: بأي صلاة تتقون؟ بأي صيام تتقون؟. وأخرج أبو نعيم في الحلية
عن خيثمة في قوله: {يوما يجعل الولدان شيبا} قال: ينادي مناد يوم القيامة
يخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فمن ذلك يشيب الولدان. وأخرج ابن
المنذر عن ابن مسعود في قوله: {يوما يجعل الولدان شيبا} قال: إذا كان يوم
القيامة فإن ربنا يدعو آدم، فيقول: يا آدم أخرج بعث النار فيقول: أي رب لا علم
لي إلا ما علمتني، فيقول الله: أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
يساقون إلى النار سوقا مقرنين زرقا [؟؟] كالحين، فإذا خرج بعث النار شاب
كل وليد. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قرأ {يوم يجعل الولدان شيبا} قال: ذلك يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله
لآدم: قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار، قال: من كم يا رب؟ قال: من كل
ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، وينجو واحد، فاشتد ذلك على المسلمين، فقال: حين أبصر
ذلك في وجوههم: إن بني آدم كثير وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم، وإنه لا يموت رجل
منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جند لكم".
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {السماء منفطر
به} قال: مثقلة بيوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {السماء منفطر
به} قال: مثقلة به. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة
عن ابن عباس في قوله: {السماء منفطر} قال: ممتلئة به بلسان الحبشة.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس {السماء منفطر به} قال: مثقلة
موقرة. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {منفطر به} قال:
يعني تشقق السماء.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق
سأله عن قوله: {منفطربه} قال: منصدع من خوف يوم القيامة قال: وهل تعرف
العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر: طباهن حتى أعرض الليل دونها *
أفاطير وسمى رواء جذورها وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد {السماء منفطر
به} قال: مثقلة بالله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة {السماء
منفطر به} قال: مثقلة بذلك اليوم من شدته وهوله، الحلقة الثالثة عشر (إذا السماء انفطرت
* وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمت
وأخرت * يأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي سورة
ما شاء ركبك *)
شــرحها: تتحدث هذه السورة القصيرة عن الانقلاب الكوني
الذي تتحدث عنه سورة التكوير ولكنها تتخذ لها شخصية أخرى وسمتا خاصا بها وتتجه إلى
مجالات خاصة بها تطوف بالقلب البشري فيها وإلى لمسات وإيقاعات من لون جديد هادئ
عميق لمسات كأنها عتاب وإن كان في طياته وعيد !
ومن ثم فإنها تختصر في مشاهد الانقلاب فلا تكون هي طابع
السورة الغالب ــ كما هو الشأن في سورة التكوير ــ لأن جو العتاب أهدأ وإيقاع
العتاب أبطأ.
إنها تتحدث في المقطع الأول عن انفطار السماء وانتشار
الكواكب وتفجير البحار وبعثرة القبور كحالات مصاحبة لعلم كل نفس بما قدمت وأخرت في
ذلك اليوم الخطير وفي المقطع الثاني تبدأ لمسة العتاب المبطنة بالوعيد لهذا
الإنسان الذي يتلقى من ربه فيوض النعمة في ذاته وخلقته ولكنه لا يعرف للنعمة حقها
ولا يعرف لربه قدره ولا يشكر على الفضل والنعمة والكرامة: " يا أيها الإنسان
ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ؟ في أي صورة ما شاء ركبك "
وفي المقطع الثالث يقرر علة هذا الجحود والإنكار فهي
التكذيب بالدين ــ أي بالحساب وعن التكذيب ينشأ كل سوء وكل جحود ومن ثم يؤكد هذا
الحساب توكيداً ويؤكد عاقبته وجزاءه المحتوم: " كلا بل تكذبون بالدين وإن
عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي
جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغالبين "
فأما المقطع الأخير فيصور ضخامة يوم الحساب وهوله وتجرد
النفوس من كل حول فيه وتفرد الله سبحانه بأمره الجليل: " وما أدراك ما يوم
الدين ؟ ثم ما أدراك ما يوم الدين ؟ يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله "
فالسورة في مجموعها حلقة في سلسلة الإيقاعات والطرقات
التي يتولاها هذا الجزء كله بشتى الطرق والأساليب ?
" إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت ، وإذا
البحار فجرت ، وإذا القبور بعثرت ، علمت نفس ما قدمت وأخرت "
وقد تحدثنا في السورة الماضية فن الإيحاء الذي يتسرب في
الحس من رؤية هذا الكون تتناوله يد القدرة بالتغير وتهزه هزه الانقلاب المثير فلا
يبقى شيء على حاله في هذا الكون الكبير وقلنا : إن هذا الإيحاء يتجه إلى خلع النفس
من كل ما تركن إليه في هذا الوجود إلا الله سبحانه خالق هذا الوجود الباقي بعد أن يفنى
كل موجود والاتجاه بالقلب إلى الحقيقة الوحيدة الثابتة الدائمة التي لا تحول ولا
تزول ليجد عندها الأمان والاستقرار في مواجهة الانقلاب والاضطراب والزلزلة
والانهيار في كل ما كان يعهد ثابتاً مستقراُ منتظما انتظاما يوحي بالخلود ولا خلود
إلا للخالق المعبود !
ويذكر هنا من مظاهر الانقلاب انفطار السماء .. أي
انشقاقها وقد ذكر انشقاق السماء في مواضع أخرى قال في سورة الرحمن : " فإذا
انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ، وقال في سورة الحاقة " وانشقت السماء فهي
يومئذ واهية " وقال في سورة الانشقاق "إذا السماء انشقت " فانشقاق
السماء حقيقة من حقائق ذلك اليوم العصب أما المقصود بانشقاق السماء على وجه
التحديد فيصعب القول به كما يصعب القول عن هيئة الانشقاق التي تكون وكل ما يستقر
في الحس هو مشهد التغير العنيف في هيئة الكون المنظور وانتهاء نظامه هذا المعهود
وانفراط عقدة الذي يمسك في هذا النظام الدقيق ويشارك في تكوين هذا المشهد ما يذكر
عن انتشار الكواكب بعد تماسكها هذا الذي تجرى معه في أفلاكها بسرعات هائلة مرعبة
وهي ممسكة في داخل مداراتها لا تتعداها ولا تهيم على وجهها في هذا الفضاء الذي لا
يعلم أحد له نهاية ولو انتثرت كما سيقع لها يوم ينتهي أجلها ــ وأفلتت من ذلك
الرباط الوثيق ــ غير المنظور الذي يشدها ويحفظها لذهبت هي الفضاء بدداً كما تذهب
الذرة التي تنفلت من عقالها ! وتفجير البحار يحتمل أن يكون هو امتلاؤها وغمرها
لليابسة وطغيانها على الأنهار كما يحتمل أن يكون هو تفجير مائها إلى عنصريه : الأكسجين
والهيدروجين فتتحول مياهها إلى هذين الغازين كما كانت أن يأذن الله بتجمعهما
وتكوين البحار منهما كذلك يحتمل أن يكون هو تفجير ذرات هذين الغازين كما يقع في
تفجير القنابل الذرية والهيدروجينية اليوم فيكون هذا التفجير من الضخامة والهول
بحيث تعتبر هذه القنابل الحاضرة المروعة لعب أطفال ساذجة ! أو أن يكون بهيئة أخرى
غير ما يعرف البشر على كل حال إنما هو الهول الذي لم تعهده أعصاب البشر في حال من
الأحوال ! وبعثرة القبور إما أن تكون بسبب من هذه الأحداث السابقة وإما تكون
حادثاً بذاته يقع في ذلك اليوم الطويل الكثير المشاهد والأحداث فتخرج منها الأجساد
التي أعاد الله إنشاءها ــ كما أنشأها أول مرة ــ لنتلقى حسابها وجزاءها يؤيد هذا
ويتناسق معه قوله بعد عرض هذه المشاهد والأحداث: " عملت نفس ما قدمت وأخرت
" أي ما فعلته أولاً وما فعلته أخيراً أو ما فعلته في الدنيا وما تركته
وراءها من أثار فعلها أو ما استمعت به في الدنيا وحدها وما ادخرته للآخرة بعدها
على أية حال سيكون علم لك نفس بهذا مصاحباً لتلك الأهوال العظام وواحداً منها
مروعاً لها كترويع هذه المشاهد والأحداث كلها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق